واشتعلت الجذوة التي كانت خامدة في نفسه جذوة الشعوبية، ونسب نفسه في ملوك الفرس الأولين١. ونراه مترددًا إزاء الخلفاء العباسيين؛ لما قدَّم سابقًا من شعره في يزيد بن عمر بن هبيرة ومروان بن محمد. ولعل ذلك ما جعله يحس بشيء غير قليل من الفرح حينما نشبت ثورة إبراهيم بن عبد الله على المنصور في البصرة سنة ١٤٥ للهجرة؛ فأسرع يمدحه بميمية فضَّلها الأصمعي على ميميتي جرير والفرزدق، ولما أخفقت الثورة أنكرها بشار، وحذف منها أبياتًا، وأظهر أنها قالها في عدو المنصور أبي مسلم، وكان أولها.
أبا جعفر ما طول عيش بدائم ... ولا سالم عما قليل بسالم
فقال:"أبا مسلم" بدلًا من "أبا جعفر"٢، ونراه يكثر من وفادته على خالد ابن برمك في أثناء ولايته على فارس، فيقر به منه ويبذل له أموالًا كثيرة٣، وكذلك كان يصنع ممتدحوه من ولاة البصرة وعلي رأسهم عقبة بن سلم الهنائي. ولما علا نجم خالد وابنه يحيى في عصر المهدي رأيناه يفد على الخليفة يمدحه؛ فيقر به منه ويحضره مجالسه، ويعلم بما في شعره من الرفث في الغزل وأنه يصرح فيه بأشياء تفسد الشباب، فينهاه عن ذلك، ويشكو في شعره من هذا النهي كثيرًا. ولا تلبث الأخبار أن تتواتر على سمع المهدي بزندقته، فيأمر بقتله، يقول ابن المعتز:
"وقيل: بل قيل للمهدي إنه يهجوك فقتله، والذي صح من الأخبار في قتل بشار أنه كان يمدح المهدي، والمهدي ينعم عليه، فرمي بالزندقة، فقتله، قيل: ضربه سبعين سوطًا فمات، وقيل بل ضرب عنقه. وكانت وفاته سنة سبع وقيل ثمانٍ وستين ومائة٤".
وواضح أن عوامل متشابكة أثرت في شخصية بشار الأدبية؛ فقد كان مولى، وكان يحس بعمق أنه قن ابن قن وأنه من أسرة فقيرة متخلفة في المجتمع، فانطوى على مرارة ولَّدت فيه ميلا قويًّا إلى العُدوان، وقد ورث عن جنسه الفارسي مزاجًا حادًا واندفاعًا شديدًا نحو المتع الحسية