وضاعف ذلك عنده أنه كان مكفوفًا؛ فعدت وسيلته إلى الجمال والإحساس به حسية: سمعية ولمسية، وغزله من هذه الناحية يصور أثار فقده لبصره وما تتركه حواس السمع واللمس والشم من آثار في نفوس المكفوفين. واندمج في هذه المكونات الشخصية والجنسية مكوِّن البيئة وما كانت تكتظ به من دور الرقيق والجواري والإماء. ِ كل ذلك دفعه لصراحة صريحة في غزله وخمره، وهي صراحة وجد فيها رجال الدين من وعاظ البصرة خطرًا على المجتمع؛ فقاوموه مقاومة عنيفة١ وبلغ من شدة هذا الخطر أن تدخل المهدي وحاول أن يرده عن هذا الطريق٢ ولكن الموجة كانت حادة، ودخل فيها جمهور الشعراء لا في البصرة وحدها، بل في الكوفة أيضًا وفي بغداد، وكان الجواري وغناؤهن من أهم ما يروج لها، إذ اتَحْنَ لهذا الشعر الماجن الجديد انتشارًا واسعًا، وكن يبعن وينتقلن من العراق إلى الحواضر العربية؛ فكن يحملنه في حقائبهن ويذعنه في كل مكان.
واشتركت الثقافات الأجنبية والعربية في تكوين شخصية بشار؛ فقد كان يجالس المتكلمين كما قدمنا، كما كان يجالس من يعرفون زندقة الفرس ودهرية الهند وآراءهم في التناسخ، ويجمع ذلك كله قول صاحب الأغاني:"كان بالبصرة ستة من أصحاب الكلام: عمرو بن عبيد وواصل بن عطاء وبشار الأعمى وصالح بن عبد القدوس وعبد الكريم بن أبي العوجاء ورجل من الأزد -يعني جرير بن حازم- فكانوا يجتمعون في منزل الأزدي ويختصمون عنده، فأما عمرو وواصل فصارا إلى الاعتزال. وأما بشار فبقي متحيرًا مخلَّطًا، وأما الأزدي فمالَ إلى قول السُّمَنِيَّة وهو مذهب من مذاهب الهند الدهرية يقول أصحابه "بتناسخ الأرواح"٣ وأكبر الظن أن بشارًا لم يظل متحيرًا طويلًا؛ فقد اعتنق الزندقة٤ كما اعتنقها صالح وابن أبي العوجاء وقتلوا بها جميعًا لعهد المهدي. والمهم أن بشارًا كان واقفًا على معارف عصره وثقافته الدخيلة وكان لها تأثير واسع فيه، حتى آمن بما يقول به المانوية والمزدكية. وربما كان أهم ثقافة أثرت في شعره هي الثقافة