للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

على مد ميدانه. وهذا أعدل كلام سمعته في هذا المعنى"١. ويمضي ابن المعتز في كتابه؛ فيستشهد لكل لون من ألوان البديع بأمثلة؛ مما جاء عن العرب قبل العصر العباسي وظهوره، ومما جاء في الذكر الحكيم وأحاديث النبي الكريم.

فالبديع لم ينشأ لأول مرة في العصر العباسي؛ بل له مقدمات واضحة في الأدب العربي، وقد رأينا أن نسمِّي هذا المذهب الذي كمل نضجه عند العباسيين باسم التصنيع؛ لأن كلمة البديع معناها الطريف ولا تعطي معنى الزخرف والزينة بخلاف كلمة التصنيع التي تدل بمعناها على التأنق والتنميق. وسنرى عندما نتعمق في بحث هذا المذهب أنه لم يقف عند الألوان التي اصطلح عليها أصحاب البديع؛ بل تعدَّاها إلى ألوان أخرى استمدها من الثقافة والفكر العباسي العميق وما وعى من الفلسفة.

ونعود إلى مناقشة الجاحظ وابن المعتز في نشأة المذهب، أما الجاحظ فاتسع به وسلك فيه ابن هرمة وبشار والنمري والعتَّابي. وقال في بعض كلامه إن الرعي -معاصر الفرزدق- كثير البديع في شعره٢؛ فهو ليس مذهبًا عباسيًّا إنما هو مذهب قديم. وأكبر الظن أن مرجع ذلك عنده أنه كان يعني بكلم البديع التشبيهات والاستعارات الطريفة.

وكان ابن المعتز أكثر دقة منه حين لاحظ أن البديع بمعناه الاصطلاحي المحدث؛ إنما كثر عند بشار ومسلم وأبي نواس، وهو يعود فيذكر أن أبا تمام أول من جعله وكده من صناعة الشعر وعمله. فالأولون لهم الكثرة من ألوان هذا المذهب التي كانت تأتي في ندرة عند القدماء، وأول من جعله مذهبًا أبو تمام.

وإذ أخذنا نستعرض آراء النقاد السابقين وجدناهم يلاحظون أن بشارًا زعيمُ المحدثين، يقول صاحب الأغاني عنه: "ومحله في الشعر وتقدمه طبقات المحدثين


١ انظر كتاب البديع" نشر كراتشقوفسكي"ص١.
٢ البيان والتَّبَيُّن٤/ ٥٦

<<  <   >  >>