للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ذلك من شعراء الْمُوَلَّدين كنحو منصور النَّمري ومسلم بن الوليد الأنصاري وأشباههما، وكان العتَّابي يحتذي حذو بشار في البديع، ولم يكن في المولدين أصوب بديعًا من بشار وابن هَرْمة"١.

وتختلط في هذا النص أسماء عربية هي العتابي والنمري وابن هرمة بأسماء فارسية هي بشار ومسلم بن الوليد، ما يجعلنا نتردد في قبول الرأي القائل بأن البديع، أو كما اقترحنا له اسم "التصنيع" نشأ في الأدب العربي من طريق الفرس الذين يعرفون بميلهم إلى التعبير باللون٢. كل ما يمكن أن يقال: إنهم أعانوا في هذا المذهب؛ ولكنهم لم يخترعوه ولم يبتكروه من تلقاء أنفسهم؛ إنما هو مذهب عباسي تعاونت فيه طوائف الشعراء من العرب مع طوائف الشعراء من الفرس.

على أن العباسيين كانوا يردونه إلى أصول عربية خالصة؛ فالجاحظ يقرر في بيانه أن "البديع أمر خاص بالعرب مقصور عليهم، ومن أجله فاقت لغتهم كل لغة وأربت على كل لسان"٣ ويقول ابن المعتز في مقدمة كتابه البديع: "قد قدمنا في أبواب كتابنا هذا بعض ما وجدنا في القرآن واللغة وأحاديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وكلام الصحابة والأعراب وغيرهم وأشعار المتقدمين من الكلام الذي سماه المحدثون البديع ليعلم أن بشارًا ومسلمًا وأبا نواس من تقيَّلهم "أشبههم" وسلك سبيلهم لم يسبقوا إلى هذا الفن؛ ولكنه كثر في أشعارهم، فعرف في زمانهم حتى سُمِّي بهذا الاسم فأعرب عنه ودلَّ عليه. ثم إن حبيب بن أوس الطائي -أبا تمام- من بعدهم شُغِفَ به حتى غلب عليه وفرَّع فيه وأكثر منه؛ وإنما كان يقول الشاعر من هذا الفن البيتَ والبيتين في القصيدة، وربما قُرئت من شعر أحدهم قصائدُ من غير أن يوجد فيها بيت بديع، وكان يستحسن ذلك منهم إذا أتى نادرًا ويزداد حظوة بين الكلام المرسل، وقد كان بعض العلماء يشبه الطائي في البديع بصالح بن عبد القدوس في الأمثال، ويقول: "لو أن صالِحًا نثر أمثاله في شعره وجعل بينها فصولًا من كلام لسبق أهل زمانه وغلب


١ البيان والتَّبَيُّن ١/ ٥١.
٢ النثر الفني، لزكي مبارك ١/ ٤٤.
٣ البيان والتَّبَيُّن ٤/ ٥٥.

<<  <   >  >>