للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

على أبياته بيتًا بيتًا؛ إذ كان كثيرًا ما ينظم الشعر عفو الخاطر؛ ولذلك تفاوت شعره قوة وضعفًا ونفاسة وغثاثة، وهو بذلك كله كصاحبه بشار من ذوق الصانعين الذين لا يجهدون أنفسهم في صنع الشعر وتحقيق كل ما يمكن من زخارف البديع.

ونحن بذلك نتفق مع ابن المعتز في أن أبا نواس وبشارًا جميعًا لم يتخذا التصنيع والبديع مذهبًا، ونطلق هذا الحكم معه على شعراء القرن الثاني من أمثال النميري والعتابي؛ فالبديع أو التصنيع عندهم جميعًا لم يكن مذهبًا يعيشون فيه؛ غير أننا نستثني مسلم بن الوليد، مخالفين في ذلك ابن المعتز حين نظمه مع بشار وأبي نواس؛ فهو أول من عاش لهذا المذهب ينمِّيه، وتناوله منه أبو تمام فبلغ به الغاية، ولسنا أول من يقول ذلك فقد سبقنا كثير من النقاد القدماء إليه، يقول ابن قتيبة: "هو أول من ألطف في المعاني ورقق في القول وعليه يعوِّل الطائي في ذلك"١، ويقول أبو الفرج الأصبهاني: "وهو فيما زعموا أول من قال الشعر المعروف بالبديع، وهو لقَّب هذا الجنس البديع واللطيف، وتبعه فيه جماعة، أشهرهم فيه أبو تمام الطائي"، وينقل عن القاسم بن مهرويه قوله: أول من أفسد الشعر مسلم بن الوليد جاء بهذا الذي سمَّاه الناس بالبديع٢، ويقول ابن رشيق: "هو أول من تكلف البديع من المولدين وأخذ نفسه بالصنعة -البديع- وأكثر منها، ولم يكن في الأشعار المحدثة قبل صريع الغواني إلا النُّبَذ اليسيرة"٣.

ويردِّد صاحب معاهد التنصيص ما قاله أبو الفرج فيقول: "هو فيما زعموا أول من قال الشعر المعروف بالبديع، وهو لقَّب هذا الجنس بالبديع واللطيف، وتبعه فيه جماعة، أشهرهم أبو تمام الطائي"٤.

فمسلم هو صاحب هذا المذهب الجديد من التصنيع وهو الذي اقترح له اسمه البديع؛ على أن اعتناقه له لا يعني أنه قضى على المذهب القديم مذهب


١ الشعر والشعراء ص٥٢٨.
٢ انظر: ترجمة مسلم بن الوليد في الأغاني الملحقة بديوانه، نشر سامي الدهان "طبع دار المعارف" ص٣٦٤ وما بعدها.
٣ العمدة ١/ ٨٥.
٤ معاهدة التنصيص ١/ ٢٠.

<<  <   >  >>