للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

البحتري؛ فكان أملح صنعة وأحسن مذهبًا في الكلام، ويسلك منه دماثة وسهولة مع إحكام الصنعة وقرب المأخذ، لا يظهر عليه كلفة ولا مشقة"١.

ونحن لا نغلو غلو ابن رشيق فنسلكه مع أبي تمام في طائفة واحدة، كما لا نغلو غلو الآمدي فنخرجه من دائرة الشعراء العباسيين إلى دائرة الأوائل فهو بدوي كما لاحظ؛ ولكنه تحضر، وتحضرت معه صناعته، وخلع عليها ألوانًا من الجمال الحضري الذي تلقفه من أبي تمام وغير أبي تمام، وإن لم يستطع أن يجاريه وأن يأتي بنماذج على غرار نماذجه، وهذا نفسه ما يلاحظه ابن رشيق؛ إذ يقول إنه كان يطلب الصنعة ويولع بها، وكلمة الصنعة عنده تعني البديع، وهذا الجمال الحضري الحديث؛ فالبحتري كان يحتفل بهذا البديع أو بهذه الألوان من الجمال الحضري، وهو لذلك ينفصل قليلًا عن منهج الصانعين في القرن الثاني أو هو يعقِّد في هذا المنهج؛ إذ كان يدخل فيه وسائل حديثة من وسائل المصنعين بخلاف أسلافه في القرن الثاني؛ إذ كانوا لا يهتمون بألوان البديع إلا في حدود التشبيه والاستعارة، وقلما عنوا بالجناس والطباق وما يضرب إليهما؛ أما البحتري فقد طلب هذه الألوان وجعلها -إلى حد ما- من أصول صناعته ومواد حرفته، وخاصة لون الطباق الذي شغف به كما يقول الباقلاني٢


١ العمدة ١/ ٨٤.
٢ إعجاز القرآن ص٥٣.

<<  <   >  >>