والتجسيم. ولم يقف عند ذلك فنحن نجده يعنى بجوانب أخرى في صناعته، ولعل من أهم هذه الجوانب ما يلاحظ عليه من استخدام لوني الطباق والجناس، وهو يشبه البحتري في هذا الجانب؛ إلا أن البحتري كان يكثر من الطباق؛ بينما كان ابن الرومي يكثر من الجناس، وارجعْ إلى أبياته السابقة التي جسم فيها هنوات القاسم بن عبيد الله فإنك تجده يقول فيها:
قلت لما بدت لعينيَّ شُنعًا ... ربَّ شوهاءَ في حشا حسناءِ
قلن لولا انكشافُنا ما تجلَّت ... عنك ظلماءُ شبهةٍ قتماء
قلت أعجب بكن من كاسفاتٍ ... كاشفاتٍ غواشيَ الظلماءِ
فهو يطابق بين كلمتي شوهاء وحسناء، وهو يجانس بين كلمتي كاسفات وكاشفات؛ إلا أنه يلاحظ أن ابن الرومي لم يكن يكثر من هذين اللونين؛ فهو ليس من أصحاب التصنيع إنما هي أشياء تسقط في بعض شعره، وقد لا تسقط؛ إذ هي لا تأتي عنده كمذهب، إنما تأتي كما تأتي عند البحتري على أنها أدوات مستحدثة لا بأس من استخدامها، ولكن الشاعر لا يتقيد بها، بل هو يستخدمها في الحين بعد الحين، وقد يكثر من استخدامها في بعض نماذجه، وقد يعود إلى نفسه فلا يستخدمها في النماذج الأخرى.
على أن ابن الرومي كان يهتم بجانب آخر في صناعته، وهو جانب القافية؛ فقد كان يطلب شواذها ولا يترك حرفًا شاردًا من حروفها؛ إلا ويؤلف عليه قصيدة أو قصائد مختلفة، وليس ذلك كل ما يلفتنا في صناعة قوافيه؛ إنما تلفتنا جوانب أخرى أشار إليها القدماء، يقول ابن رشيق:"كان ابن الرومي يلتزم حركة ما قبل الروي في المطلق والمقيد في أكثر شعره اقتدارًا"١، فمن ذلك في الروي المطلق:
لم يسترحْ من له عينٌ مؤرقةٌ ... وكيف يعرف طعمَ الرَّاحةِ الأرِِقُ
فقد مضى في هذه المقطوعة يلتزم كسرة قبل الروي وهو هنا مطلق،