للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويماثله في المقيَّد قصيدته:

أبَينَ ضلوعي جمرةٌ تتوقَّد ... على ما مضى أم حسرةٌ تتجددُ

فقد التزم الفتحة قبل الرَّوي. وعلى هذا النمط نجد ابن الرومي يصعِّب على نفسه في قوافيه وحركاتها؛ بل إنه يصعِّب على نفسه في حروفها أيضًا، يقول ابن رشيق: "وكان ابن الرومي خاصة من بين الشعراء يلتزم ما لا يلزم في القافية حتى إنه لا يعاقب بين الواو والياء في أكثر شعره قدرة على الشعر واتساعًا فيه"١؛ فمن ذلك مطولته:

شابَ رأسي ولاتَ حين مشيبِ ... وعجيبُ الزمانِ غيرِ عجيبِ

فقد التزم فيها الياء قبل الرَّوِيِّ كما التزم الواو في مقطوعته السابقة:

وجهُك يا عمرو فيه طولُ ... وفي وجوهِ الكلابِ طولُ

ويقول صاحب سرِّ الفصاحة: "إنه قد يلتزم الحرف وحركته قبل الروى، وذلك كثير في شعره"٢، ونحن نجد في ديوانه مطولة يبدؤها على هذا النمط:

صبرًا على أشياءَ كلِّفتُها ... أعقبتها الدَّنَّ وسُلِّفتُهَا

وقد مضى يلتزم فيها الفاء قبل الروى، وكأنه كان يرى أن الروي في هذه المطولة هو الفاء لا الهاء ولا التاء. وأكبر الظن أن هذا الجانب عند ابن الرومي لم يكن يأتي به ليدل على مقدرة فنية؛ وإنما كان يأتي به مزاجه الحاد، كأنه كان يرى لشدة حسِّهِ أن الفاء هي الروي فالتاء والهاء ضميران. وهو كذلك يرى أن المعاقبة بين الواو والياء تُخرج الشعر عن قوافيه أيضًا فهو يستريح أكثر لالتزام الحركة السابقة للروي، ومن أجل ذلك كله كان يُصَعِّب على نفسه في قوافيه، وهو تصعيب يأتي من مزاجه الحاد وإحساسه المرهف.

ومهما يكن فإن ابن الرومي لم يستطع أن ينتقل بصناعته من دائرة الصانعين


١ العمدة ١/ ١٠٦.
٢ سر الفصاحة "طبعة الخانجي" ص١٧٢.

<<  <   >  >>