للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ابن الزيات؛ فيولِّيهِ على بريد الموصل غير أن حياته لم تَطُلْ به فقد لبَّى داعي ربه سريعًا، واختلف القدماء في سنة وفاته، كما اختلفوا في سنة ولادته، والراجح أنها سنة ٢٣١.

وكان أبو تمام يأخذ نفسه بثقافة واسعة حتى قالوا إنه عالم١ وقالوا إن شعره يعجب أصحاب الفلسفة والمعاني٢، ويظهر أنه كان يحذق علم الكلام وأصوله وفروعه، كما كان يحذق كثيرًا من الثقافات الفلسفية والتاريخية والإسلامية واللُّغَويَّة؛ حتى العقائد والنِّحَل المختلفة على نحو ما نرى في قوله:

فلو صح قول الجعفريةِ في الذي ... تنص من الإلهام خِِلناك مُلهما

يقول التبريزي: "الجعفرية قوم من الشيعة يغلون في جعفر بن محمد ويزعمون أنه يلهم الأشياء ويعلمها، وكذلك يعتقدون في أئمتهم الإلهام وأنهم يطلعون على الغيب"٣. وفي شعره ألفاظ كثيرة تدل على ثقافاته المتنوعة، فمن ذلك قوله:

كم في النَّدى لك والمعروف من بدعٍ ... إذا تُصُفِّحت اختيرت على السُّننِ

فقد ذكر البدع والسنن، وهما من ألفاظ الفقهاء، ومن ذلك قوله في الخمر:

خرقاءُ يلعب بالعقول حبابُها ... كتلاعبِ الأفعالِ بالأسماءِ

فقد تكلَّف لذكر الأفعال والأسماء كأنه من أصحاب النحو، ومن ذلك قوله:

صاغَهُم ذو الجلال من جَوْهرِ المجْـ ... ـدِ وصاغ الأنام من عَرَضِهِ

يقول التبريزي: "هذا مأخوذ من الجوهر والعرض اللذين وضعهما المتكلمون؛ لأن الجوهر عندهم أثبت من العرض"٤. ومن ذلك قوله:

لن ينال العلا خصوصًا من الفتـ ... يان من لم يكن نداه عمومًا

فقد ذكر الخصوص والعموم، وهما من ألفاظ المناطقة. ومن ذلك قوله:

هب من له شيءٌ يريدُ حجابه ... ما بالُ لا شيء عليه حجابُ


١ الموازنة بين الطائِيَّينِ ص١١.
٢ الموازنة ص٢.
٣ ديوان أبي تمام بشرح الخطيب التبريزي "طبع دار المعارف" ٣/ ٢٤٢.
٤ نفس المصدر ٢/ ٣١٧.

<<  <   >  >>