للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

"وربما أسرف أبو تمام في الْمُطابق والْمُجانس ووجوه البديع من الاستعارة حتى استثقل نظمه واستُوخم رصفه"١. وانظر إلى مطلع القصيدة الأولى في ديوانه؛ إذ يقول في مديح خالد بن يزيد بن مزيد الشيباني وقد عزم المعتصم أن يولِّيه الحرمين ثم رجع عن عزمه:

يا موضعَ الشدِّ نية الوجناء ... ومصارعَ الأدلاجِ والإسراءِ٢

أَقْرِ السلامَ معرفًا ومحصبًا ... من خالد المعروف والهيجاءِ٣

سيلٌ طمى لو لم يذده ذائد ... لتبطَّحت أولاه بالبطحاء

وغدت بطن مِنًى مُنى من سيبه ... وغدت حرى منه طهور حراء٥

وتعرَّفت عرفاتُ زاخرة ولم ... يخصص كداء منه بالإكداء٦

ولطابَ مرتَبَعٌ بطيبة واكتست ... بُرْدَين بُرد ثري وبرد ثراء٧

لا يُحْرَمُ الحرمان خيرًا إنهم ... حُرِموا به نوءًا من الأنواء٨

فإنك تلاحظ لون الجناس واضحًا في هذه الأبيات التي يمدح بها خالد بن يزيد الشيباني، وكان واليًا على الثغور، ثم غضب عليه المعتصم وأراد نفيه،


١ إعجاز القرآن ص٥٣.
٢ موضع: من أوضع البعير، إذا حمله الراكب على السير السريع. الشدنيه: الناقة الأصيلة. الوجناء: الضخمة. الإدلاج: سير الليل كله، الإسراء: سير جزء منه.
٣ أَقْرِ: مخفف أقرئ أي أبلِغ. المعرف: موضع الوقوف بعرفة. المحصب: موضع رمي الجمار. الهيجاء: الحرب. وأضاف خالدًا إلى المعروف والهيجاء؛ لشهرته بهما كما يقال زيد الخيل.
٤ السيل: معروف خالد أو خالد نفسه. طما: ارتفع. البطحاء: بطن مكة. تبطحت: انبسطت. أولاه: نعمه. لو لم يذده ذائد: لو لم يَعُقْهُ عائق. وهو يشير إلى توسط ابن أبي دؤاد عند المعتصم لخالد حتى لا يوليه الحرمين ويبقيه في أرمينية والثغور.
٥ السيب: العطاء. حِرَاء: جبل بمكة. حرا: فناء. يريد أنه لو تولى مكة لغدا حراء منه أفنية للناس الذين يقصدونه لعطائه، وإذن كانوا يحلون فيه ويقيمون.
٦ تعرفت: عرفت. زاخره: عطاءه. الزاخر: الكثير. كداء: جبل بمكة. الإكداء: قلة الخير.
٧ طيبة: المدينة. المرتبع: منزل القوم في الربيع. الثرى يقصد به التراب الندى أو الرطب. ويقصد ببرد الثرى النبات الندي لا المطر. الثراء: كثرة المال.
٨ لا يحرم الحرمان خيرًا: يدعو لأهل الحرمين أن لا يمنعوا الخير بعد أن حرموا من جود خالد. النوء: المطر والغيث، ويقصد غيث كرمه.

<<  <   >  >>