للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

اللونين. لم يعد الطباق شيئًامنفصلًا يحتفظ بهيئته الخاصة؛ بل هو يمتزج بلون آخر وكأنه يحيله عن لونه القديم، واقرأ هذا البيت:

ألبست فوق بياض مجدك نعمةً ... بيضاءَ تُسرع في سوادِ الحاسدِ

فإنك ترى فيه طباقًا بين البياض والسواد؛ ولكنه ليس طباقًا خالصًا فقد انغمس في لون آخر هو لون التصوير، إذا عبر عن غيظ الحاسد بالسواد ووصف نعمة صاحبه بالبياض. ولم يكتفِ بذلك، بل جعل هذا البياض يسرع في السواد وينتشر فيه، وانظر إلى هذا البيت:

وأحسنُ من نورٍ تفتِّحُهُ الصَّبا ... بياض العطايا في سواد المطالبِ

فقد استخدم الطباق حقًّا؛ ولكنه لم يكتفِ به. بل أضاف إليه التصوير والحركة. وعلي هذه الشاكلة نجد اللون عند أبي تمام يتعلق به لون آخر فيغيِّر في شياته وصفاته، وانظر إليه يصنع نفس هذا الصنيع بالمشاكلة إذ يقول:

أظن الدَّمعَ في خديَّ سيبقى ... رسومًا من بكائي في الرُّسومِ

فقد استعان على المشاكلة بهذا التصوير الغريب الذي يلتفُّ عليها؛ إذ جعل آثار الدمع في خده تشبه آثار ديار المحبوبة. وليس من شك في أن هذه طرافة في التصوير، وكان يستعين بهذه الطرافة دائمًا على لون المشاكلة حتى يعطيه هيئات جديدة، وانظر إليه يصف صواحبه:

لآلئٌ كالنجومِ الزهرِ قد لبستْ ... أبشارُها صدفَ الإحصانِ لا الصَّدفا

فهن لآلئ إلا أنهن متسربلات بصدف العفاف والطهر، وليس من شك في أنه صدف غريب غرابة وشي الخدود في قوله:

وثنوا على وشي الخدود صيانةً ... وشيَ البرودِ بِمُسْجَفٍ وممهَّدِ

فقد عبَّر عن زينة الخدود وما بها من حمرة وتلوين بهذا الوشي الغريب. وعلى هذا النمط يستمر أبو تمام يغمر اللون من الجناس أو الطباق أو المشاكلة في أصباغ لون التصوير؛ بل إن هذه الألوان جميعًا ليمر بعضها في أوعية بعض فإذا هي تتجلى في هيئات وشيات جديدة.

<<  <   >  >>