للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لظلام الليل عندي تبين أن المانوية الذين نسبوا الشر إلى الظلام كاذبون"١، ونراه يشير في بعض هجائه لكافور إلى القائلين بالدهر والتعطل والقدم؛ إذ يقول:

ألا فتى يورد الهنديّ هامتَه ... كيما تزول شكوك الناس والتهمِ

فإنه حجةٌ يؤذي القلوب بها ... من دينه الدَّهرُ والتعطيلُ والقدمُ

والحق أن ثقافته العقلية كانت واسعة، وسنراه بعد قليل يحشد منها محصولًا كبيرًا في شعره، وكذلك كانت ثقافته اللغوية والنحوية، يقول صاحب معاهد التنصيص: "لقد كان المتنبي من المكثرين من نقل اللغة والمطلعين على غريبها وحوشيّها، ولا يسأل عن شيء إلا ويستشهد فيه بكلام العرب من النظم والنثر؛ حتى قيل إن الشيخ أبا على الفارسي قال له يومًا: كم لنا من الجموع على وزن فِعْلى؟ فقال المتنبي في الحال: حِجْلى وظِرْبى، قال الشيخ أبو على: فطالعت في كتب اللغة ثلاث ليال على أن أجد لهذين الجمعين ثالثًا فلم أجد٢.

ويذكر البديعي: "أنه لما وقع الجدل بين أبي الطيب اللغوي وابن خالويه في حضرة سيف الدولة طلب إليه أن يشترك في الجدل؛ فناصر أبا الطيب وأتى من الحجج ما أعانه"٣. ويقال إنه لما رحل إلى بغداد ناظر الحاتمي في اللغة٤، كما يروى أن ابن العميد قرأ عليه بعض الكتب اللغوية٥.

وهذه المعرفة باللغة ومسائلها كان يؤازرها معرفة -لعلها أوسع- بالنحو ومشاكله، وكان يتصنع له كثيرًا في ألفاظه، كقوله:

إذا كان ما تنويهِ فعلًا مضارعًا ... مضى قبل أن تُلقى عليه الجوازمُ

ويحس قارئ ديوانه أنه لم يكد يترك شاذة نحوية إلا وتكلفها في قصائده ونماذجه، وكان يجنح إلى المذهب الكوفي ويعمم شوارده في شعره. وهذه الكوفية لا نثبتها له من تلقاء أنفسنا، فمن قبلنا يقول العُكْبَري في التعليق على قوله:


١ العُكْبَري ١/ ١٨٧.
٢ معاهد التنصيص ١/ ١١.
٣ الصبح المنبي ص٢٥.
٤ الصبح المنبي ص٧٩.
٥ خزانة الأدب للبغدادي ١/ ٣٨٠.

<<  <   >  >>