فقد كثّر من الدنيا على طريقة القائلين بالتناسخ وأن الإنسان له دُنًا مختلفة، ولسنا نؤمن بأنه كان يقول ذلك عن عقيدة إنما هو أسلوب التصنع في القرن الرابع؛ إذ كان الشعراء يحاولون أن يجددوا في المعاني والأساليب فيجدوا السبل كأنها سدت عليهم، فنراهم يلجئون إلى بعض الصيغ يقترضونها من البيئات المذهبية، يحاولون أن يضيفوا بها إلى شعرهم مقدرة فنية غريبة، وهي مقدرة كان يعجب بها الشعراء في هذه العصور، ويعدونها آية مهارتهم وبراعتهم.
قَرْمَطِيّةُ المتنبي وأثرُها في شِعْرِهِ:
يذهب "ماسينيون" القرمطية أثرت في أسلوب المتنبي وصياغته، وإليها يرد كثيرًا من الظواهر الفنية في شعره؛ إذ يحس أثرها في ترفعه وما يشعر به الإنسان عنده من مرارة. وهو يلاحظ أنه كان من شعراء البلاط؛ ولكن قرمطيته جعلته لا يتغزل في الغلمان، ولا يصف جمال الجسد الإنساني، كما ابتعد عن الزهد فهو لا يتخذ طريق أبي نواس ولا طريق أبي العتاهية. وقد زعم أن القسم الأول من القصيدة عند المتنبي الذي يملؤه بخواطره وأفكاره الثائرة ليس إلا استجابة لقرمطيته، كما نرى عند إخوان الصفا وثورتهم ضد السماء والطبيعة والناموس والحكومة ثم ضرورة الطعام والشراب، وإذن المتنبي -في رأيه- يثور في شعره على الدهر ونواميس المادة ثورة قرمطية١.
ولاحظ "ماسينيون" أيضًا أن المتنبي يستعمل بعض الألفاظ التي نجدها عند الإسماعيلية في إخوان الصفا من مثل: قدّس الله روحه، والفلك الدوَّار، وكذلك الثقلان بمعنى: القرآن والعترة؛ إذ يقول في كافور:
فما لك تختار القِسيَ وإنما ... عن السعدِ يرمي دونَك الثقلانِ
ويلاحظ أيضًا أنه توجد في الديوان كلمات أخرى من مثل المهدي والقائم والخلف؛ ولكن شراح المتنبي لم يلتفتوا إلى هذا الجانب، وهو يضرب مثلًا لذلك أن المتنبي رأي أن الشمس لا يصح أن توضع تحت مرتبة الهلال إذ يقول:
١ MASSIGNON, MUTANABBI DEVANT IE SIECLE ISMAELIEN DE I;ISLAM, P.١٢.