للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وُشِيَ به إلى ممدوحه فتنصل من ذلك بألطف عذر، وأبرزه في معرض التغزل والنسيب؛ فقال:

أما وهواها حلفَةً وتَنصُّلا ... لقد نقَلَ الواشي إليها فأمْحَلا

وما أحلى ما قال بعده:

سعى جُهْدَه لكن تجاوز حدَّهُ ... وكثَّر فارتابتْ ولو شاء قلَّلا

ومهيار كما يبدأ قصائده ببراعة الاستهلال نراه يختمها بالدعاء على نمط ما يصنع الكتاب برسائلهم، وانظر إليه يقول في نهاية إحدى قصائده:

فلا قَلَصتْ عني سحائبُ ظلِّكم ... فمنها مُرِذٌ تارة وسَكُوبُ١

ولا عدِمتَكم نعمةٌ خُلقتْ لكم ... ودنيا لكم فيها الحياةُ تطيبُ

يزوركُم النَّيروزُ مقتبَلَ الصِّبا ... وقد دبَّ في رأسِ الزَّمانِ مَشِيبُ

تصَوَّحُ أغصانُ الأعادي وغصنُكم ... من السَّعد ريَّانُ النباتِ رطيبُ٢

دعاءٌ حِيالي فيه ألفُ مؤمِّنٍ ... تَوافقُ منهم ألسنٌ وقلوبُ

وماذا بقي لأسلوب الكتاب في رسائلهم؟ إن مهيار يبدأ قصائده ببراعة الاستهلال ويختمها بالدعاء، وكأنه يؤلف رسالة من الرسائل، وكيف يطيل قصائده إن لم يستخدم معرفته بمراسيم الرسائل في هذا الطول وينقل إلى القصيدة كل ما يمكنه من هذه المراسيم؟

على أن هذا الجانب من التجديد عند مهيار لم يضف للشعر جمالًا، بل أضاف إليه هلهلة وإسفافًا؛ فإن مهيار حين عدل بالشعر إلى مراسيم النثر استعار له ما يُطْوى في هذه المراسيم من الحشو وكثرة التَّكْرار والاعتراض، وعمَّم ذلك في نماذجه، حتى ليؤذينا إيذاء شديدًا، وانظر كيف يعتمد على الاعتراض في صنع أبياته:

أقولُ وقد تعرَّمَ جُرحُ حالي ... وسُدَّ على مَطالِعيَ السَّراحُ٣

وكاشفني وكان مجاملًا لي ... عَبوسُ الوجهِ من زمني وَقاحُ


١ قلصت: رحلت. مرذ: من الإرذاذ وهو المطر الضعيف، ضد السكوب.
٢ تصوح: تذبل.
٣ تعرم: اشتد.

<<  <   >  >>