للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

في مكان الوحشِ العواطلِ تلقى الـ ... إنسَ فيه حَواليَ الأعْنَاقِ

يتعرَّضن ما لهن من اللَّمْـ ... س نفورٌ ولا من الصَّيدِ واقي

كل محبوبة إلى الحقب مُسْتَنَّـ ... ـة لبسِ الخلخالِ عند الساقِ١

فإنك ترى دموعًا معلَّقة بمآقيه، وهي دموع تؤذينا إيذاء شديدًا، وأي دموع هذه التي تعلق تعليقًا؟ أليس فيها تصنع شديد ومبالغة مفرطة عن شعوره؟ ويستمر فإذا صواحبه لَسْنَ من هذا النوع المحصن الممنع الذي تحميه السيوف والرماح، والذي كان يتغنى به الشعراء من أمثال أبي تمام والمتنبي؛ بل هن من نوع آخر لا يصد ولا ينفر؛ إنهن يتعوجن كمهيار في حبهن ويتهالكن. وانظر أخيرًا كيف ختم هذه الأبيات بتلك الصور الملفقة التي أراد أن يجدد بها فذكر أن صواحبه يلبسن الخلخال عند الساق، وهل في هذه الفكرة شعر أو ما يشبه الشعر؟ إنما هي ثرثرة أصحاب الشعور المائع؛ إذ يعمدون إلى التلفيق في الصور تلفيقًا غريبًا، واقرأ هذه الأبيات:

قالوا صحوت من الجنون به ... من ربد جنته على عقلي

وسعَى بِيَ الواشي وكان وما ... يسطيعني بيدٍ ولا رِجْلِ

فكأنهنّ بما أذِنَّ له ... يَلبسن أقراطًا من العَذلِ٢

فإنك تراه يعلق اليد والرجل في البيت الثاني كما علق الدموع في الأبيات السابقة، وكما علِّقت أقراط العذل في البيت الثالث، وقد عاد للتعبير بالإذن؛ فدلَّ على هذا الشعور المصطنع وهذه الرقة المفرطة. وارجعْ إلى هذه المقطوعة من الفخر التي تُغَنَّى في العصر الحديث، والتي يبدؤها على هذه الشاكلة:

أُعْجِبَتْ بي بين نادي قَومِها ... أُمُّ سعدٍ فمضَتْ تسألُ بي

فإنك ترى منه محبًّا غريبًا يسوق الحديث مع صواحبه في طريقة غير مألوفة، ألست تراه يقول إنها هي التي تعجب به؟ وحقًّا كان مهيار شاعرًا من شعراء الحب؛ ولكنه شاعر من طراز آخر غير الطراز الذي نعرفه عند العرب، طراز


١ الحقب: جمع حقاب، وهو حزام محلَّى تشده المرأة إلى وسطها.
٢ العذل: اللوم.

<<  <   >  >>