ولَنسيمِ سَحَرٍ بحاجرٍ ... رَدَّتْ به عهدَ الصِّبَا ريحُ الصَّبا١
أليَّة ما فتح العطَّارُ عن ... أعبقَ منه نَفَسًا وأطيبا
سل مَن يدُلُّ الناشدين بالغضا ... على الطَّريدِ ويردُّ السَّلَبا
أراجعٌ لي والمُنَى هَلْهَلَةٌ ... فطالعٌ نجمُ زمانٍ غَرَبا
وطوفةٌ بين القِبابِ بِمنىً ... لا خائفًا عينًا ولا مرتَقبَا
وليس من شك في أن هذه المقطوعة تمثل روح المتصوفة لا بما فيها من الأماكن الحجازية فقط؛ بل بما في داخلها من التواجد في الحب. وهذا الجانب عند مهيار يجعلنا نلتفت إلى أن التشيع والتصوف أصبحا منذ القرن الرابع أصلين مهمين من أصول الشعر العربي؛ فهما يدخلان في المواد التي تكونه، إما لأن الشاعر من المتصوفة أو من المتشيعة، أو لأنه يستعير من هاتين البيئتين في شعره، كما رأينا عند المتنبي؛ إذ أدخل كثيرًا من مواد التصوف وعناصره في ألفاظ شعره وعباراته. وهذا هو سر ما نجده من صلة واضحة بين الشعر العربي العام وشعر المتشيعة والمتصوفة، وهل هناك من فارق بين مقدمات مهيار وشعر شاعر متصوف كابن الفارض؟ إن القصيدة عندهما جميعًا تُملأ بهذا التواجد في الحب، ثم بتلك البقع الحجازية وما تنشره في الشعر من حنين عاطفي غريب. وحقًّا امتاز المتصوفة باتساع الرمز في التعبير عن حبهم الإلهي، ولكن أي رمز؟! إنهم كانوا يرمزون بنفس هذه المواد البدوية والعناصر القديمة التي كانت تتخذ أيضًا كرمز عند شعراء الحب الإنساني، فتعبر هذا التعبير الفسيح الذي ينطلق فيه الخيال ويسبح فيه الشعور والوجدان.