تذكير للناسين وتنبيه للرقدة الغافلين وتحذير من الدنيا". فهو يقصد بها إلى الوعظ، وهي لذلك تمتلئ بما تمتلئ به أساليب الوعظ من التكرار الممل، ومن أجل ذلك كنا نشعر حين قراءتنا للزوميات بملل وسأم شديد؛ لأن الشاعر يتنقل بين أفكار يبدئ فيها ويعيد، وقد أخرجها في أسلوب واهٍ، ليس فيه جمال فني ولا طرافة فنية إلا قليلًا.
والحق أن أبا العلاء لم يستطع أن ينهض بالصياغة الفنية في لزومياته إذا كان يعتمد على تكرار الأفكار، وإن الإنسان ليخيل إليه أن هناك مجموعة من الأفكار ما يزال ينظمها أبو العلاء على قوافٍ وحروف مختلفة، وهو يغاير في القافية أوفي الحرفين الأخيرين؛ ولكنه قلما حاول أن يغاير في المعاني والأفكار، ولذلك يستطيع الباحث أن يقرأ طائفة من مقطوعات اللزوميات ويترك الأخرى؛ لأنه قلما يجد جديدًا إلا ما يخضع له أبو العلاء من قيود في ألفاظه وقوافيه.
ليس في اللزوميات غالبًا جمال في الصياغة ولا تنويع في الأفكار؛ إنما فيها بدء وإعادة وتكرار غريب للمعاني، وهي معانٍ عامة وكثيرًا ما ينقصها العمق والابتكار، وما يزال المعري ينظمها على حرف من الحروف كالباء ثم يعود إلى حرف آخر كالتاء، وهو ينظمها مرة على حرف الباء أو غيرها مضمومة، ثم يعود مرة أخرى أو مرارًا فينظمها على حرف الباء أو غيرها من الحروف مكسورة أو منصوبة أو ساكن. ومن أجل ذلك التكرار والإعادة كنا نمل متابعة أبي العلاء في لزومياته؛ إذ ما يزال يجتر أفكارًا محفوظة يكررها على قواف وأوزان مختلفة. ولعل ما يصور ذلك تصويرًا واضحًا رسالته المسماه باسم "ملقى السبيل" حيث نجده يصوغ المعنى نثرًا، ثم يصوغه شعرًا على هذا النمط؛ إذ يقول: "كم يجني الرجل ويخطئ، ويعلم أن حتفه لا يبطئ:
إن الأنام ليخطئو ... ن ويغفر الله الخطيئةْ
كم يبطئون عن الجميـ ... ل وما مناياهم بطيئةْ
وعلى هذه الصورة التي نجدها في "ملقى السبيل" كان أبو العلاء ينظم في لزومياته ولم يكن ينظم المعنى نثرًا، ثم ينظمه شعرًا، بل كان ينظمه شعرًا، ثم يعود