فينظمه أيضًا شعرًا؛ ولكن على قافية جديدة، وقيود لفظية جديدة، وهذا كل ما يصنعه من تغيير، وهو تغيير قلما يضيف طرافة في التفكير؛ إذ يدخل عليه أبو العلاء هذا التَّكرار الذي يصيب الصياغة في اللزوميات بضروب واسعة من الابتذال.
وأكبر الظن أننا لا نبعد حين نقول: إن أبا العلاء كان واعظًا في لزومياته، ولذلك لم يحسن صوغ أفكاره في الأساليب الخاصة بالشعر؛ لأن الوعظ من طبيعته التكرار، وهو يلائم النثر، ولا يلائم الشعر، ومن ثم كان الخطباء والوعاظ يتخذون النثر أداة للتعبير عن أفكارهم ومعانيهم المكررة، فإذا جاء خطيب أو واعظ واتخذ الشعر أداته في الخطابة أو الوعظ كان لا بد له أن يسقط في استخدام هذه الأداة الجديدة مهما تكن مقدرته البيانية. ومن أجل ذلك لم يكن غريبًا أن نجد أبا العلاء يخفق في استخدام الشعر أداة لوعظه وتشاؤمه الذي نعرفه في اللزوميات، وخاصة أنه أطال هذا الوعظ والتشاؤم وامتد به نفسه إلى عشرات الصفحات بل مئات الصفحات، فبدا في أساليبه هذا الانهيار والسقوط وما يتبعهما من ابتذال؛ بحيث لا نجد ما يعجب حاستنا الفنية إلا في النادر؛ فالأفكار عارية لا يحول بينها وبين الإسفاف حائل، ولذلك قلما نحس في أثناء قراءتنا اللزوميات ببهجة فنية، إذ لم يستطع أبو العلاء أن ينهض بصياغتها إلا هذا النهوض القاصر الذي يعود بالشعر وكأنه يشبه أساليب الوعظ والإرشاد.