للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المتصنعون من ورائهم، أما في الأندلس فإنه يوجد هناك تطور بين هذه المذاهب؛ إذ بدأت نهضة الشعر هناك متأخرة عن نشوء هذه المذاهب في المشرق، فكان الشعراء يحاكونها جميعًا في غير نظام ولا نسق واضح. ونحن نقف قليلًا عند شاعرين مهمين ظهرًا بعد ابن عبد ربه في القرن الرابع، وهما ابن هانئ الأندلسي وابن دراج القَسْطَلي.

ابْنُ هانِئٍ الأَنْدلُسي:

هو أبو القاسم محمد بن هانئ١، وهو عربي الأصل إذ ينسب إلى المهلب بن أبي صفرة الأزدي الذي اشتهر بحروبه وانتصاراته على الخوارج وفي خراسان لعصر بني أمية. ويسمى ابن هانئ الأندلسي تمييزًا له من ابن هانئ الحكمي المكنى بأبي نواس الشاعر المعروف. وقد ولد بإشبيلية عام ٣١٦ للهجرة، وكان أبوه قد هاجر إليها من المهدية في شمالي إفريقيا وعني بابنه وبتربيته، ولم يلبث أن تدفق الشعر على لسانه؛ فلمع اسمه، وقربه منه حاكم بلدته. غير أنه أكثر من الانهماك في الملاذ، وأظهر استهتارًا وزندقة، ونقم عليه أهل إشبيلية ذلك، وامتدت نقمتهم إلى الحاكم الذي يرعاه، فنصحه أن يبتعد عنهم مدة، فولى وجهه نحو المغرب وعمره سبعة وعشرون عامًا. وكانت جيوش الفاطميين تتوغل فيها بقيادة جوهر الصقلي، فألم به وقدَّم إليه إحدى مدائحه، لكنه لم يثبه الثواب الذي كان ينتظره، فتركه إلى جعفر ويحيى ابني علي، وكانا واليين على الزاب في المغرب الأوسط للمعز الفاطمي، فأجزلا له في العطاء، وسمع به المعز فطلبه منهما، وقدم عليه ابن هانئ، فبالغ في الإنعام عليه، حتى تحول إليه بقلبه، وآمن بعقيدته الشيعية وكل أصولها المذهبية. وخرج مع المعز حين فتح مصر ينشده مدائحه، ولكنه عاد ليحضر أولاده وأهله، ووصل بهم إلى برقة، ونفجأ بقتله فيها سنة ٣٦٢ وربما دبَّر هذا القتل بعض خصوم المعز هناك حتى لا ينعم بهذه التحفة النادرة.


١ انظر في ترجمته: وَفَيَات الأعيان: لابن خلكان ٢/ ٤. ومطمح الأنفس: للفتح بن خاقان "طبع الجوائب" ص٧٤. والتكملة: لابن الأبارص ١٠٣. والإحاطة: للسان الدين بن الخطيب ٢/ ٢١٢ والمغرب "القسم الأندلسي- طبع دار المعارف" ٢/ ٩٧. ومعجم الأدباء "طبعة القاهرة" ١٩/ ٩٢.

<<  <   >  >>