للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كأنَّ بني نعيشٍ ونعشًا مطافلٌ ... بوجرة قد أضللن في مهمةٍ خَشَفا١

كأن سهيلًا في مطالعِ أفُقِهِ ... مفارقُ إلفٍ لم يجد بعده إلفا

كأن سهاها عاشقٌ بين عوَّدٍ ... فآونةً يبدو، وآونةً يخفى٢

كأن معلَّى قُطْبها فارسٌ له ... لواءان مركوزان قد كره الزَّحْفا

كأن قُدَامى النِّسر، والنسر واقعٌ ... قصصن فلم تسم الخوافي به ضَعْفَا٣

ومضى في القصيدة على هذا النحو يصنِّع لهذه التشبيهات التي يحس الإنسان إزاءها أنها جاءت لتعبر عن تلفيق لا لتعبر عن شعور وجمال؛ فكل ما هناك أن الشاعر يريد أن يثبت مهارته باستخدام "كأن" وما يتبعها من صور وأخيلة. وعلى هذا النمط كان الشاعر الأندلسي يجمع في شعره بين صور التصنيع والتصنع جميعًا.

ابْنُ دَاَّرجٍ القَسْطَلِيّ:

وهذا شاعر آخر يقرن بالمتنبي، عاش في القرن الرابع وصدر الخامس، وكان كاتب المنصور بن أبي عامر وزير الأمويين، كما كان شاعره٤، وقد ذكره الثعالبي في يتيمته، وقال في حقه: "كان بصقع الأندلس كالمتنبي بصقع الشام، وهو أحد الشعراء الفحول، وكان يجيد ما ينظم". ويقول ابن بسام عنه: "إنه كان لسان الجزيرة شاعرًا وأولًا حين عد معاصريه من شعرائها المشهورة،


١ بنو نعش ونعش: نجوم سبعة. مطافل: جمع مطفل، وهي الظبية ذات الأطفال. وجرة: موضع ببادية نجد، المهمة: الفلاة. الخشف: ولد الظبية.
٢ السُّها: كوكب خفي من بنات نعش. العود: جمعُ عائدٍ وهو زائر المريض.
٣ في الكواكب نسران: نسر واقع ونسر طائر. القدامى: الريش الطويل في مقدم الجناح، الخوافي: صغار الريش؛ مما ينبت تحت القوادم.
٤ انظر ترجمته في: وفيات الأعيان: لابن خلكان ١/ ٤٢. ويتيمة الدهر: للثعالبي ١/ ٤٣٨. والمجلد الأول من الذخيرة ص٤٣. وبغية الملتمس: للضبي ص١٤٧. والصلة: لابن بشكوال ص٤٢. والمغرب: لابن سعيد "طبع دار المعارف" ٢/ ٦٠. وقد طبع ديوانه في دمشق بتحقيق محمود علي مكي.

<<  <   >  >>