للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

هذه المنسوب بها لبست حليها فتوهمته بعد الإصاخة والرمق وقع فرس أو لمع سيف؛ غير أنها مغزوَّة في دارها، أو جاهلة بما حملته من زينتها، ولم يخف عنا مراده أنها كانت تترقبه، فما هذا كله؟ ١"

ونحن نرى من هذا النص أن ابن رشيق يلاحظ على ابن هانئ شيئين: الشيء الأول أنه قد تعلق بمعنى لا طرافة فيه، والشيء الثاني أنه لفَّ طويلا حول تعبيره عن فكرته قبل أن يؤديها، وكأني به تأثر قول المتنبي:

يَرَونَ من الذُّعرِ صوتَ الرِّيَاحِ ... صهيلَ الجيادِ وخفقَ البُنُودِ

فالمتنبي يقول إن أعداء الممدوح فروا منه، وهم يظنون في أثناء فرارهم أن صوت الرياح صهيل الجياد وخفق البنود لشدة فزعهم وخوفهم، فجاء ابن هانئ ونقل هذا المعنى من وصف الحرب إلى شعر الغزل ودار حوله هذا الدوران الطويل؛ فإذا صاحبته تتوهم لخوفها أن صوت حليها وقع أقدام فرسه، وأن لون خلخالها لون سيفه، أرأيت إلى هذا التكلف في التعبير؟ إنه لم يجلبه فن ولا زينه إنما جلبه تصنع ابن هانئ وتلفيقه للصور والأفكار العباسية وما يشفعه بها من نقل ولف ودوران.

على أننا نعود فنلاحظ مرة أخرى أن هذا الشاعر المتصنع كان يستخدم أدوات التصنيع وخاصة أدوات التصوير؛ غير أنها تحولت في بعض جوانبها عنده إلى ضروب جديدة من التكلف والتصنع، وهذا هو معنى ما نقوله من أن الشاعر الأندلسي لا يستطيع أن يعيش في منهج عباسي واحد. هو لا يجدد ولا يحدث مذهبًا جديدًا وهو حين يعيش في منهج عباسي نراه لا يستمر فيه، بل يخلط بينه وبين غيره من المناهج، وهذا ابن هانئ أقرب الأندلسيين إلى ذوق التصنع نراه يجمع في شعره بين أدوات التصنيع والتصنع جميعًا، واقرأ هذه القطعة التي امتلأت بالصور والتشبيهات:

كأن رقيبَ النَّجمِ أجدلُ مرقبٍ ... يقلبُ تحتَ اللَّيلِ في ريشه طرْفَا٢


١ العمدة: لابن رشيق ١/ ٨٠ وما بعدها.
٢ رقيب النجم: الذي يغيب بطلوعه مثل الإكليل فإنه يغيب بطلوع الثريا. الأجدل: الصقر. المرقب: الموضع العالي.

<<  <   >  >>