للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وواضح من هذه الأبيات القليلة أن صاحبنا يعنى -كما قال ابن شهيد- بالخبر واللغة؛ فهو هنا يتصنع لذكر المثل المعروف"كل الصيد في جوف الفرا" كما يتصنع لفكرة القداح المعروفة عند العرب القدماء، ثم هو بعد ذلك يعنى -كما لاحظ ابن شهيد أيضًا- بالبديع؛ ففي الأبيات الأولى يعنى بالطباق بين النجد والغور والليل والصبح والحصباء والذهب، واستمِر معه في القصيدة فستراه يقول:

كلا وقد آنست من هودٍ هدى ... ولقيت يعرُبَ في القيول وحميرا

وأصبت في سبأ مورَّث ملكها ... يسبي الملوك ولا يدب لها الضَّرا١

فكأنما تابعت تبَّع رافعًا ... أعلامه ملكًا يدينُ له الورى

والحارث الجفني ممنوع الحمى ... بالخيل والآسادِ مبذول القِرَى

وحططتُ رحلي بين ناري حاتمٍ ... أيام يَقْرى موسرًا أو معسرًا

ولقيت زيد الخيلِ تحت عجاجةٍ ... تكسو غلائلُها الجيادَ الضُّمَّرا

وعقدت في يَمَنٍ مواثقَ ذمَّةٍ ... مشدودة الأسباب موثقة العُرى

وأتيت بَحْدَل وهو يرفع منبرًا ... الدين والدنيا ويخفض منبرا٢

وأظن صوت ابن دراج أتضح لنا الآن تمام الوضوح؛ فهو يعنى -كما قال ابن شهيد- بالنسب إذ يرد ممدوحه منذر بن يحيى إلى اليمن فينسبه إلى ملوكها ومشاهيرها، وهو في أثناء ذلك يصنع للجناس بين هود وهدى وسبأ ويسبي وتابع وتبع، أرأيت إلى ابن دراج؟ إنه كما قال ابن شهيد يصنع للبديع كما يتصنع للغريب والأمثال كهذا المثل المعروف "يدب له الضَّراء". ولا يكتفي بذلك بل نراه يتصنع في آخر هذه الأبيات للرفع والخفض المعروفين في علم النحو، وواضح ما في ذكرهما من تكلف وتصنع. وهذا هو الصوت العام لابن دراج، خلط بين تصنع وتصنيع، أو بعبارة أدق


١ الضرا: الاستخفاء. يريد أنه يهجم على أعدائه جهارًا لقوته وشجاعته.
٢ بحدل: هو بحدل بن أنيف الكلبي صهر معاوية وظهيره.

<<  <   >  >>