للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الأندلس في هذا العصر وبين نظام اليونان في العصور القديمة؛ إذ كانت تنافس أثينا إسبرطةَ وغيرها من المدن اليونانية، وكما أن هذا النظام اليوناني القديم يعد أزهى عصور اليونان بما تركوا فيه من آثار فنية وفلسفية وأدبية، كذلك يعد عصر ملوك الطوائف من أزهى عصور الأندلس من الوجهة الحضارية.

واستمرت هذه الحركة الدافعة في العصرين التاليين: عصر المرابطين والموحدين إذ استطاعت الأندلس أن تظفر بطائفة من الفلاسفة كابن باجة وابن رشد، كما استطاعت أن تظفر بطائفة كبيرة من العلماء في الأبحاث الدينية والأبحاث النحوية. وهي أيضًا حققت لنفسها رقيًّا واسعًا في الأدب بقسميه من شعر ونثر.

وبذلك نهض الشعر الأندلسي نهضة واسعة في هذه العصور وهي نهضة ظلت في حدود الصورة العامة لشعرنا العربي، فلم يَثرُ الشعراء هناك على خطوط هذه الصورة وظلالها وأضوائها، بل ظلوا يعيدون رسمها، لا يكلُّون ولا يملُّون، وفي أثناء ذلك يقعون على تشبيهات واستعارات طريفة، وقد يمتد ذلك إلى مقطوعات بديعة في الغزل وغير الغزل كقول يحيى بن بقي١:

عاطيته والليل يسحب ذيلَهُ ... صهباء كالمسكِ الفتيقِ لناشقِ

وضممته ضمَّ الكمي لسيفِهِ ... وذؤابتاه حمائلٌ في عاتقي

حتى إذا مالت به سِنَةُ الكرى ... زَحْزَحْتُه شيئًا وكان مُعَانقي

باعدتُه عن أضلعٍ تشتاقُهُ ... كي لا ينامُ على وسادٍ خافق

وقول ابن شطرِيَّة٢:

ستر الصبح بطُرَّةْ ... وجلا الليلُ بغرةْ

وأرى من وجهه في ... قدِّهِ غصنًا وزهرةْ

جاءني كالظَّبي في أشـ ... راكِهِ إذا حلَّ شعرَهْ

ومضى عني ولكنْ ... بعد ما خلَّف نشْرَهْ

فتراني في افتضاحٍ ... كلما أخفيتُ سرَّهْ


١ معجم الأدباء "طبعة القاهرة" ٢٠/ ٢١. والمغرب لابن سعيد "طبع دار المعارف" ٢/ ٢١.
٢ المغرب ١/ ١٤٠.

<<  <   >  >>