للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقول أبي حفص عمر بن عمر١:

هم نظروا لواحظها فهاموا ... وتشرب عقلَ شاربِها المدامُ

يخاف الناسُ مقلتَهَا سواها ... أيذعرُ قلبَ حاملِه الحسامُ

سما طَرْفي إليها وهو باكٍ ... وتحت الشمسِ ينسكبُ الغمامُ

وأذكر قدَّها فأنوحُ وجدًا ... على الأغصانِ ينتدبُ الحمامُ

وأعقب بينُها في الصَّدرِ غمًّا ... إذا غربت ذُكاءُ أتى الظلامُ

والقطع جميعًا تستمد من جذاذات الشعر المشرقي في المعاني والصور؛ ولكنها تعيدها في معارض جديدة، فيها طرافة الخيال وبراعة التصوير. وكانوا كثيرًا ما يلمون بوصف وداع المعشوقة في الصباح، ولكن لا تظن أنهم يسبقون المشارقة في ذلك، فإننا نجد هذا الوصف عند عمر بن أبي ربيعة في قصيدته المشهورة "أمن آل نُعمٍ أنت غادٍ فمبكِرُ" ونقله عنه العباسيون من أمثال أبي فراس، وشاع عنهم في الأندلس بين الشعراء والوشاحين والزجالين.

وربما كان أهم موضوع برع فيه الأندلسيون هو وصف الطبيعة، وقد أعانهم فيه جمال المناظر في إقليمهم، ولهم فيه روائع كثيرة، وهي روائع كانت تستمد من كنوز الشعر العباسي، مضيفة إليها أخيلة دقيقة كثيرة، على شاكلة قول الرُّصافي يصف نهرًا وما على جانبيه من أشجار تتراءى على صفحته ظلالها٢:

ومُهَدَّلِ الشطَّين تحسب أنه ... متسايلٌ من دُرَّةٍ لصفائِهِ

فاءت عليه مع الهجيرةِ سَرْحَةٌ ... صدئت لفيئتها صفيحةُ مائِهِ٣

وتراه أزرق في غلالة سندسٍ ... كالدَّارعِ استلقى لظلِّ لوائِهِ

وقد يمزجون وصف الطبيعية بالخمر ووصف الصباح أو وصف المساء، فنقع عندهم على صور طريفة كهذه الصورة للرصافي أيضًا؛ إذ يقول:

وعشيٍّ رائقٍ منظرُهُ ... قد قطعناه على صِرْفِ الشَّمولِ٤


١ انظر الأبيات في كتاب "رايات الْمُبَرَّزين" لابن سعيد.
٢ راجع الأبيات في رايات المبرزين.
٣ السرحة: الشجرة، فاءت: نشرت فيئها أي ظلها.
٤ الشمول: الخمر، وصِرْفُها: خالصها.

<<  <   >  >>