"هو اليوم شاعر هذه الجزيرة، لا أعرف فيها شرقًا ولا غربًا نظيره"١.
وأكثر ديوانه يدور في المديح، وهو يجري فيه على سنة الشعراء من قبله، وقلما أضاف فيه جديدًا إلا بعض مبالغات مفرطة، ولا نراه يخلطه بمعانٍ إنسانية وحكم وأمثال على طريقة المتنبي، وربما كان ذلك راجعًا إلى أنه لم يمر به طيف من الحزن والتشاؤم، فحياته تمضي هنيئة سعيدة. ونراه يقول في مقدمة ديوانه: إنه كان ينهج في شعره نهج الشريف الرضي ومهيار وعبد المحسن الصُّوري. وقد طبع شعره في التشبيب بطوابع الأوَّلين فأكثر فيه من ذكر الطيف والخيال والظعائن والعيس والأماكن الحجازية والنجدية ونسيم الصبا وأنفاس الخزامى. وربما كان ذكره لعبد المحسن الصوري إشارة إلى تشبهه بشعراء الشام في وصف الطبيعة، وكان يعجب بألوان البديع وهو يقترب في ذلك من ذوق أصحاب التصنيع أمثال أبي تمام.
وأهم موضوع عُني به وصف الطبيعة؛ إذ كان مغرىً بوصف الأنهار والأزهار وما يتعلق بها. ولعل أهم ما يلاحظ على فنه أنه كان يُعْنَى بالتشخيص للطبيعة والتصوير لمباهجها، وهو ليس تصويرًا جديدًا، فمن قبله كان العباسيون أمثال أبي تمام وابن الرومي وابن المعتز وغيرهم يصورون هذه المباهج تصويرًا لا يقل عن تصوير ابن خفاجة. وقد لا نعدو الحق إذا قلنا إن كل ما له في هذا الجانب إنما هو الكثرة، أما فيما عدا ذلك فليس له جديد. وحتى لون التشخيص الذي اتخذه في تصوير الطبيعة استعاره استعارة من أبي تمام وتلامذته. وإن الإنسان ليلاحظ جملة أن ذوق ابن خفاجة كان قريبًا من ذوق المصنعين في المشرق؛ إذ يكثر من ألوان التصنيع، من تشخيص وجناس وطباق وما يندمج في ذلك من صور وأخيلة. وكان يقف عند هذه الألوان الحسية في التصنيع التي سبق أن عرضنا لها عند أبي تمام، أما الألوان العقلية فلم يكن يعنى بها أو بعبارة أدق لم يكن يفهمها. على كل حال انحاز ابن خفاجة إلى جانب الألوان الحسية في التصنيع، وأظهر فيها مهارة واسعة إذ كان يمزج