للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والتصوف كان يقترن بها موجة أخرى من الترف، وزكَّاها ما سبق أن عرضنا له من ثراء الفاطميين وما ينطوي في هذا الثراء من دعة. ولعل ذلك ما جعل المقدسي يلاحظ أن أهل مصر أهل ترف وتجمل في ثيابهم١، ونمت هذه الحال على ما يظهر بعد المقدسي، إذ نرى مدينة تنِّيس تخرج -في القرن الخامس- نوعًا جديدًا من نسيج الثياب يسمى: أبا قلمون، وهو نسيج كان يظهر للرائي في ألوان متقلبة٢. ولعل مما يدل على هذا الترف من بعض الوجوه ما لاحظه "ناصر خسرو" على أهل مصر من ولعهم بالأزهار واتخاذ أصصٍ لها على سطوح بيوتهم حتى تصير السطوح كأنها حدائق٣. ويروي المقريزي أنه: "كان يُصْنَعُ للخليفة بمصر قصر من الورد بقرية من قرى قليوب، كان بها جنان وورود كثيرة، وكان الخليفة يخرج في يوم يسمى يوم قصر الورد إلى تلك القرية متنزهًا"٤. وليس من شك في أن هذا كله دليل على أن ذوق مصر أترف في العصر الفاطمي، وساق الناس ترفهم إلى اللهو والقصف، وغرقوا إلى آذانهم في هذه الموجة هم وأمراؤهم، وآية ذلك أن حياة تميم بن المعز كانت لهوًا وخمرًا، وكذلك كان شعره، ولم تكن هذه الموجة من اللهو خاصة بالقصر بل تعدته إلى الناس حتى المشايخ، يقول المقدسي: "إن المشايخ في مصر لا يتورعون عن شرب الخمور"٥ ويقول المقريزي: "كانت هناك قاعات مختلفة للخمارين بالفسطاط والقاهرة، وكان الفاطميون يكتفون بمنع الخمر في آخر جمادى في كل سنة"٦. وساعد على اتساع هذه الموجة أن الفاطميين اهتموا اهتمامًا بالغًا بأعياد الشعب من إسلامية وقبطية، وينقل المقريزي عن المسبِّحي المتوفى عام ٤٢٠ للهجرة وصفًا فخمًا لهذه الأعياد نتبين منه أنها كانت "كرنفالات" عظيمة.


١ المقدسي ص٢٠٥. ويظهر أن هذه النزعة في المصريين كانت أقدم من العصر الفاطمي، انظر الولاة والقضاة: للكندي ص٤٦٠.
٢ الحضارة الإسلامية: لمتز ٢/ ٢٩٨ وورد ذكر أبي قلمون في شعر الشريف للعقيلي وهو من شعراء النصف الأول من القرن الخامس. انظر: المغرب "قسم مصر" ص٢٤٤.
٣ الحضارة الإسلامية ٢/ ١٨٢.
٤ خطط المقريزي ١/ ٤٨٨.
٥ المقدسي ص٢٠٠.
٦ خطط المقريزي ١/ ٤٩١.

<<  <   >  >>