للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولعل في هذا كله ما يدل على أن الشعر المصري مثَّل في هذا العصر مزاج المصريين وميلهم إلى الدعابة والنكتة.

ابْنُ قادُوسٍ:

يقول صاحب الخريدة في ترجمته: "القاضي أبو الفتح محمود بن إسماعيل كاتب الإنشاء بالحضرة المصرية، قال القاضي الفاضل: توفي سنة إحدى وخمسين، وأنشدني له أشعارًا محكمة النسج كالدر في الدرج"١. ومن يرجع إلى القطعة التي رواها له صاحب الخريدة يلاحظ أنه كان يميل إلى جملة ألوان التصنيع والتصنع في شعره كقوله٢:

أثر المشيب بفوده وفؤاده ... ألجأه أن يبغي لديها الجاها

وقوله٣:

مليكٌ تذل الحادثاتُ لعزِّه ... يعيدُ ويبدي والليالي رواغمُ

وكم كربةٍ يوم النِّزالِ تكشَّفت ... بحملاته وهي الغواشي الغواشمُ

تشيد بناء الحمد والمجد بيضُهُ ... وهن لآساس الهوادي هوادمُ٤

رقاقُ الظُّبي تجري بآجالِ ذي الورى ... وأرزاقهم فهي القواسي القواسمُ

وابن قادوس في ذلك كان كشعراء عصره جميعًا؛ إذ يميلون إلى توشية شعرهم بهذه الألوان، ولكن ذلك الجانب فيه ليس هو الذي نريد أن نقف عنده؛ إنما نريد أن نقف عند جانب الفكاهة والدعابة في شعره، فقد كان خفيف الروح جدًّا، وانظر إليه يتهكم على شاعر أسودِ٥:

إن قلت من نارٍ خُلِقْـ ... تَ وفُقْتَ كل الناسِ فَهما

قلنا صدقت فما الذي ... أطفاكَ حتى صرتَ فَحْما

وكان يميل ميلًا واضحًا إلى التورية إذ كان الناس يتعلقون بها طوال


١ الخريدة ١/ ٢٢٦.
٢ الخريدة ١/ ٢٢٦
٣ الخريدة ١/ ٢٢٩
٤ البيض: السيوف.
٥ الخريدة ١/ ٢٢٩.

<<  <   >  >>