الأصيلة، ولسنا نشك في أن إصلاح هذه الحال ينبغي أن يمتد على أصلين مهمين: أما الأصل الأول فهو أن يدرس شعراؤنا تلك المذاهب الفنية القديمة التي وصفناها دراسة دقيقة، يقفون بها على صورتها الحقيقية، حتى يعرفوا كيف يبنون على هذا الأساس الفني العتيد، وحتى يقوم بينهم وبين أسلافهم ضرب من التفاعل الفني تنتج عنه الأصالة التي يريدونها لأنفسهم وفنهم. وأما الأصل الثاني فهو الاستمرار في التأثر بالفن الغربي والثقافة الغربية، والتعمق في ذلك تعمقًا أوسع مما نرى الآن، ولكن على أن يكون ذلك في حدود التزاوج بين المنبعين من التفكير الفني عند العرب، وهذا التفكير عند الغرب، لا في هذا الخلط السقيم الذي نجده في كثير من النماذج. وإذا كان العباسيون لم يترجموا الأدب اليوناني ولم يتأثروا به، واستمروا يعيشون في شعرهم معيشة داخلية فيها ضرب من القصور، فإن واجب شعرائنا في العصر الحديث ألا يعودوا إلى هذا الخطأ القديم، وأن يتعمقوا الأدب الغربي والثقافة الغربية، وأن لا يقفوا بذلك عند السطح والقشور؛ وهؤلاء صبري ومطران وشوقي كانوا يلمون بأطراف من الثقافة الفرنسية، وقد تطور كل منهم بشعره تطورًا يختلف باختلاف ثقافته اتساعًا وعمقًا.
ومن المحق أن شعراءنا المعاصرين قلَّ منهم من درس الفن الغربي أو الثقافة الغربية -وخاصة الثقافة الفلسفية- دراسة غيرت الأوضاع الفنية عنده أو الأوضاع الفكرية. وقد نجد نفرًا منهم يستعير عناوين قصائده أو دواوينه من الشعر الغربي، كما يستعير بعض المعاني والأفكار، وهو ضرب من الترجمة، إذ يترجمون بعض الألفاظ والأسماء والصور والأفكار من الشعر الغربي واهمين أن ذلك يحقق لهم التجديد المنشود.
والناقد المعاصر يشعر بشيء من الأسى لهذا التحول الذي صار إليه الشعر العربي في العصور الحديثة، فالشاعر لا يأخذ نفسه بثقافة غربية واسعة تكوِّن عنده مركبًا فنيًّا جديدًا، كما كان الشأن عند العباسيين في استخدامهم للفلسفة اليونانية والثقافة الأجنبية، بل هو يكتفي باستعارة بعض العناوين والصور والمعاني، ظانًّا أن تلك هي الطرافة التي نبحث عنها، ولذلك كنا نقرأ في كثير