من الشعر الحديث بدون لذة، ونحن لا نبالغ إذا زعمنا أنه لا يوجد بيننا شاعر قرأ فلسفة العصور الحديثة أو القديمة قراءة دقيقة، كما أنه لا يوجد بيننا من قرأ الميثولوجيا القديمة، أو من قرأ في دقة آثار سوفوكليس أو كورني أو جيته أو بيرون؛ ولعله من أجل ذلك لم يحدث التجديد المنشود في الشعر المعاصر، فلم يكتب شاعر في الملاحم الكبرى كما كتب هوميروس في الإلياذة، ولم يوجد من تثقف ثقافة فلسفية عميقة يلائم بينها وبين التفكير الفني. ومن أجل هذا القصور في الثقافة كان الشاعر عندنا مرتبكًا في سلوك طريق التجديد الذي يريده، وكأني به يظن التجديد شيئًا يُلقَى في الطريق، وليس دراسة عميقة ولا ثقافة واسعة. وقد أحدث شوقي محاولات في المسرح ولكنها تعاب بنقص ثقافته المسرحية، ولو أنه درس المسرح اليوناني، ثم درس المسرح الغربي الحديث وما أصابه من تطورات مختلفة لخرج عمله أدنى إلى الكمال.
والحق أن واجب شعرائنا أن يحتووا لأنفسهم ما خلفته أوربا من كنوز فكرية وفنية، وليس عيبًا أن يستمد شعر من شعر آخر، فهذا الشعر الغربي نفسه نراه يستمد في أجياله الحديثة من جميع العناصر القديمة يونانية أو رومانية، وشرقية أو عربية، وكأنما الحضارة الغربية تأخذ بحظ من جميع العناصر السابقة، فالفكر البشري ليست له حدود، ولا تقوم بين مناطقه وأقاليمه حواجز وفواصل، والحضارة العربية نفسها في العصور الوسطى كانت تمتص جميع العناصر التي سبقتها، وأمكنها الحصول عليها من الحضارات التي تقدمتها، وإن واجبنا أن نعود مرة أخرى إلى هذا الامتصاص إزاء الحضارة الغربية وعناصرها المتنوعة. ويحسن إلا يحجز الشعراء أنفسهم داخل إطار الشعر الغربي وثقافته، بل يضيفوا إلى ذلك ثقافة عميقة بالفلسفة القديمة والحديثة، وكذلك ينبغي أن يتثقفوا ثقافة واسعة بالنحت والرسم والموسيقى، فإن هذه الفنون تتشابك جميعًا بفن الشعر عند الغربيين بحيث نراهم لا يتصورون فرعًا منها منفصلا عن الفروع الأخرى من شجرة الفن.
وليس من شك في أنه حين ينظِّم الاتصال بين شعرائنا المعاصرين وبين