للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المعقدة، وخصصوها بالشعر التقليدي: شعر المديح ونحوه، وكانت هذه الأوزان توجد في العصر الإسلامي مع الغناء، أما في هذا العصر فإنها تكاد تختفي إلا أن تجزَّأ أو يدخلها فنون من التحريفات والزحافات.

ومن يدرس العروض الذي اكتشفه الخليل يحس مدى الصعوبات التي أحدثتها هذه الزحافات في دراسة الشعر العربي، وأكبر الظن أن الخليل عمد إليه عمدًا ليستطيع الشعراء أن يجدوا منها منفذًا إلى الملاءمة بين الأوزان القديمة ونغم الغناء الجديد. وإن كثيرًا من هذه الزحافات ليُحيل الوزن عن صورته القديمة، وغاية ما في الأمر أننا ألفنا أن نقول إن البحر حدث فيه زحاف ونحوه، وإنه لا يزال على حاله، ولم يخرج عن محيطه. ويستطيع الباحث أن يرجع إلى الرمل مثلًا، ووزنه فاعلاتن؛ فيدرك أنه حينما يلمُّ به الزحاف في الجزء الأول ويصبح فعلاتن، يتغير عن صورته الأولى ويصير سريعًا لسرعة حركاته. ومن المعروف أن الحركات القصيرة تجعل البحر سريعًا، بخلاف الطويلة فتجعله بطيئًا. وتلائم الأولى الموضوعات العتيقة؛ بينما تلائم الأخرى الهدوء والحزن وما إليها.

وهذا التغيير الذي ألم بالرمل بسبب الزحاف نراه يلم أيضًا بسببه في الأوزان والبحور الأخرى، وهو جانب نرى أصوله في الشعر القديم؛ إلا أن العباسيين أكثروا منه كثرة مفرطة، فما يزالون يحرفون في الأوزان، حتى لينتهي بهم هذا التحريف إلى استحداث أوزان جديدة، ويقول أبو العلاء: إنهم استحدثوا في هذا العصر المقتضب والمضارع اللذين سجلهما الخليل وليس لهما أصل في الشعر القديم١، وهي ملاحظة جيدة، وسبق أن رأينا المجتث عند الوليد بن يزيد، وقد أكثر منه العباسيون؛ إذ نجده كثيرًا عند بشار ومطيع وأبي نواس وأبي العتاهية وأضرابهم، وأما المقتضب فهو عباسي، واستعمله الشعراء في ندرة، ومن أمثلته قول أبي نواس٢:


١ الفصول والغايات ص١٣٢.
٢ معاهد التنصيص ١/ ٣٠.

<<  <   >  >>