للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لي أحسنت، هذا والله ما لا يحسن أحد يقول مثله، وربما صنع ذلك أمام الخلفاء فضج المتوكل من صنيعه ذات يوم وأقبل على الصَّيمريّ فقال: أما تستمع ما يقول يا صيمري وكان ينشده قصيدته:

عن أي ثغرٍ تبتسمْ ... وبأيّ طرف تحتكمْ

فقال: بلى يا سيدي مُرنِي فيه بما أحببت، فقال: بحياتي اهجُه على هذا الروي الذي أنشدنيه١.

ومهما يكن فإن البتحري استطاع أن يحول موسيقاه إلى ألحان وأرقام موسيقية خالصة واقرأ له هذه القطعة:

لي حَبيبٌ قَد لَجَّ في الهَجرِ جِدَّا ... وَأَعادَ الصُدودَ مِنهُ وَأَبدى

ذو فُنونٍ يُريكَ في كُلِّ يَومٍ ... خُلُقًا مِن جَفائِهِ مُستَجَدّا

يَتَأَبّى مَنعًا وَيُنعِمُ إِسعا ... فًا وَيَدنو وَصلاً وَيَبعُدُ صَدّا

أَغتَدي راضِيًا وَقَد بِتُّ غَضبا ... نَ وَأُمسي مَولَىً وَأُصبِحُ عَبدا

وَبِنَفسي أَفدي عَلى كُلِّ حّالٍ ... شادِنًا لَو يُمَسُّ بِالحُسنِ أَعدى٢

مَرَّ بي خالِيًا فَأَطمَعَ في الوَصـ ... ـلِ وَعَرَّضتُ بِالسَلامِ فَردّا

وَثَنى خَدَّهُ إِلَيَّ عَلى خَو ... فٍ فَقَبَّلتُ جُلَّنارًا وَوَردا٣

سَيِّدي أَنتَ ما تَعَرَّضتُ ظُلمًا ... فَأُجازى بِهِ وَما خُنتُ عَهدا

رِقَّ لي مِن مَدامِعٍ لَيسَ تَرقا ... وَإِرثِ لي مِن جَوانِحٍ لَيسَ تَهدى

أَتُراني مُستَبدِلاً بِكَ ما عِشـ ... ـتُ بَديلاً وَواجِدًا مِنكَ نِدّا

حاشَ لِلَّهِ أَنتَ أَفتَنُ أَلحا ... ظًا وَأَحسَنُ شَكلاً وَأَحسَنُ قَدّا

فقد كان صاحب الصناعتين يعجب بها إعجابًا شديدًا٤، وحقًّا إن البحتري استوفى فيها كل ما يمكن من وسائل التفوق في فن الصوت، فأنت تراه يبدأ


١ معاهد التنصيص ١/ ٨٣.
٢ الشادن: ولد الظبية تشبه به الفتاة الجميلة.
٣ الجلنار: زهر الرمان الأحمر.
٤ الصناعتين ص٦٣.

<<  <   >  >>