للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والرجوع إليها وأخد الأحكام منها أي أن المجتهد لا يرجع إلى السنة للبحث عن واقعة إلا إذا لم يجد في القرآن الكريم حكم ما أراد معرفة حكمه، لأن القرآن الكريم أصل التشريع ومصدره الأول، فإذا نص على حكم اتبع وإذا لم ينص على حكم الواقعة رجع إلى السنة. فإن وجد فيها حكمه اتبع.

والدليل على ذلك أمور:

الأول: إن الكتاب الكريم مقطوع به، والسنة مظنونة، والقطع فيها إنما يصح في الجملة لا في التفصيل, بينما القرآن الكريم فإنه مقطوع به جملة وتفصيلًا. والمقطوع مقدم على المظنون، فلزم تقديم الكتاب على السنة.

الثاني: إن السنة إما بيان للكتاب أو زيادة عليه، فإن كانت بيانًا فهي تلي القرآن في المرتبة لأن المبين مقدم على البيان، وإن لم تكن بيانًا وإنما كانت زيادة، فلا بد أيضًا من تقديم المزيد عليه على الزيادة، وبهذا الاعتبار يقدم القرآن الكريم.

الثالث: ما دل على ذلك من الأخبار والآثار كحديث معاذ: حينما سأله الرسول, صلى الله عليه وسلم، وقد أرسله واليًا على اليمن: "بم تحكم؟ " قال: بكتاب الله. قال: "فإن لم تجد؟ " قال: بسنة رسول الله. قال: "فإن لم تجد؟ " قال: أجتهد رأيي"١.

وعن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أنه كتب إلى شريح: "إذا أتاك أمر فاقض بما في كتاب الله، فإن أتاك ما ليس في كتاب الله فاقض بما سن فيه رسول الله, صلى الله عليه وسلم"٢, وفي رواية عنه: "انظر ما تبين لك في كتاب الله فلا تسأل عنه أحدًا، وما لم يتبين لك في كتاب الله فاتبع فيه سنة رسول الله, صلى الله عليه وسلم".

وورد مثله عن ابن مسعود: "من عرض له منكم قضاء فليقض بما في كتاب الله فإن جاءه ما ليس في كتاب الله فليقض بما قضى به نبيه, صلى الله عليه وسلم"٣.

وعن ابن عباس أنه كان إذا سئل عن شيء فإن كان في كتاب الله قال به،


١ رواه أبو داود في كتاب الأقضية الحديث: ٦.
٢، ٣ أعلام الموقعين لابن قيم الجوزية: ج١ ص٢٠٢، الموافقات للشاطبي: ٤/ ٨.

<<  <   >  >>