للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وإن لم يكن في كتاب الله وكان عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال به.

وعلى هذا سار السلف الصالح من العلماء.. وللصحابة رضوان الله عليهم آثار جمة من هذا القبيل.

وقد فرق الحنفية بين الفرض والواجب بناء على تقديم اعتبار الكتاب على اعتبار السنة. وأن اعتبار الكتاب أقوى من اعتبار السنة، وقد لا يخالف غيرهم في معنى تلك التفرقة.

فإن اعترض على هذا بأن السنة تقدم على القرآن الكريم لأنها تقيد المطلق وتخص العام، والمقيد والخاص مقدمان على المطلق والعام.

فالجواب: ليس معنى ذلك العمل بالسنة وإطراح الكتاب، بل إن الموضح في السنة هو المراد، فكأن السنة بمنزلة التفسير والشرح لمعاني أحكام الكتاب.

وقد دل على ذلك قول الله تبارك وتعالى: {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} ١, فبالسنة يحصل البيان، مثال ذلك قول الله تبارك وتعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} ٢. فإنه حكم عام يوجب القطع على كل من ارتكب جريمة السرقة، فكان محتاجًا إلى بيان المحل الذي تقطع منه اليد، ومحتاجًا إلى بيان الشروط التي إذا تضافرت مجتمعة وجب تنفيذ هذا الحد، فجاءت السنة المطهرة مبينة أن القطع من الكوع، وأن للمسروق شروطًا: كأن يبلغ نصابًا فأكثر، وأن يكون في حرز مثله..

وهذا البيان هو المعنى المراد من الآية الكريمة، وليس ثمة أحد يقول إن السنة أثبتت هذه الأحكام دون القرآن الكريم، كما إذا بين لنا مالك -رحمه الله- أو أحد المفسرين معنى آية أو حديث، فعملنا بمقتضاه، فلا يصح لنا أن نقول: إنا عملنا بقول المفسر الفلاني دون أن نقول عملنا بقول الله تعالى أو قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وكذا هنا، فلا يقال إن السنة مقدمة على القرآن، بل مبينة له.


١ سورة النحل: ٤٤.
٢ سورة المائدة: ٣٨.

<<  <   >  >>