للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والثقافة الماركسية تعتبر الحالة الاقتصادية أصلا لكل الأعمال الإنسانية، في تاريخ الجماعة البشرية، وإن تغير الأحوال الاقتصادية يؤثر على حياة الدولة وعلى سياستها، ويؤثر كذلك على العلم والدين، وعلى هذا فإن الثقافة لديها فرع من الحياة الاقتصادية.

وهكذا فإننا نجد اضطرابا وخلطا فيما تعتبره الثقافة الغربية مصدرا لها، مما يؤدي إلى اضطراب في فكر الإنسان وفي نفسيته، وهذا ما يورث كآبة نفسية في إحساس الفرد، أو انطلاقا شديدا لا يحده ضابط ولا توقفه قيمة.

يقول الأستاذ سيد قطب: "ما الذي قدمته المادية؟ إننا لا نجد بين أيدينا ولا في عقولنا ولا في واقعنا منه شيئا -مضبوطا- فلماذا يا ترى نختاره ونلوذ به وهو هباء لا يثبت على اللمس، ولا يثبت على الرؤية، ولا يثبت على النظر العقلي؟.

أما هذا المسخ الذي يثير الاشمئزاز في تصور كارل ماركس وإنجلز للحياة البشرية ودوافعها ومجالها الذي تتحرك فيه، وحصرها في حجر "الاقتصاد" فإن الشعور بالاشمئزاز منه يزداد، عندما يقف الإنسان أمام عظمة الكون المادي نفسه. وما فيه من موافقات عظيمة عجيبة، يبدو فيها كلها كأنما هي تمهيد للحياة البشرية بوجه خاص: فلا يتمالك نفسه من الاحتقار والاشمئزاز لمثل هذا التفكير الصغير الذي لا تروعه عظمة هذا الكون ذاته، ولا تروعه الموافقات الكامنة فيه لاستقبال الحياة البشرية، فإذا به يدير ظهره لكل هذه العظمة، ولكل هذه الروعة، ليخنس في جحر الاقتصاد والآلة والإنتاج، لا بوصفها غاية للإنسان ومحركا فحسب، ولكن بوصفها كذلك العلة الأولى والإله الخالق والرب المتصرف المصرف لهذه الحياة"١.

ونذكر هنا نِعَمَ الله علينا، إذ وهبنا الدين الإسلامي الذي هو مصدر لكل خير، ولكل قيمة جديرة أن تبرز وأن تسود.


١ خصائص التصور الإسلامي ومقوماته ص٨١ وما بعدها.

<<  <   >  >>