القومية التركية. لأن العقيدة وحدها هي التي توحد بين صفوف المسلمين، فإذا فقدت العقيدة زالت معالم التجمع الإسلامي.
ومن ثم سرت عدوى القوميات إلى كل الأجناس الخاضعة للحكم العثماني، وطالبت بالانفصال عن الأم إذ لم تخضع لها إلا من أجل العقيدة والشريعة التي يدين بها كل مسلم، وقد أبعدت عنها الإسلام فلم يبق ما يدعو للاستمرار في الخضوع لحكم علماني غير إسلامي، أو للانصهار في بوتقة الدين. وعلى هذا دعت كل جماعة لإحياء قوميتها، إذ كل فئة لا تريد أن تذوب في جنسية غيرها، لأن الجنسية خاصة وليست عامة. وهذا هو الفرق الجوهري بين القومية والإسلام.
وعلى أثر ذلك نادى الأكراد بقوميتهم ونادى العرب بقوميتهم، ولا يخفى على أحد التعاون الصليبي اليهودي، في إثارة هذه الفتن، وفي تفتيت الأمة الإسلامية، وفي التخطيط للاستيلاء على أملاك "الإمبراطورية العثمانية".
يقول الدكتور عبد الكريم عثمان:"وقد شجع على ظهور القومية العربية في صورتها العلمانية عدد من الدول التي كانت تطمع في احتلال الشرق الإسلامي وعلى رأسها بريطانيا، وفي مذكرات آغاخان فصل عن ضباط بريطانيا السياسيين الذين شجعوا الحركة القومية العربية للوقوف أمام فكرة الدولة الإسلامية.
أما "لورنس" منفذ سياسة بريطانيا آنذاك فيقول مصورًا ذلك الهدف في كتابه "أعمدة الحكمة": "وأخذت طول الطريق أفكر في سوريا وفي الحج، وأتساءل هل تغلب القومية ذات يوم على النزعة الدينية، وهل يغلب الاعتقاد الوطني الاعتقاد الديني، وبمعنى أوضح هل تحل المثل العليا السياسية محل الوحي والإلهام وتستبدل سوريا مثلها الأعلى الديني بمثلها الأعلى الوطني، هذا ما كان يجول في خاطري طوال الطريق".
ومعلوم أن الثورة على الأتراك قامت بتأييد بريطانيا ودعمها الأدبي والمادي ودعم حليفتها فرنسا، وقد ثبت أن عددًا من الزعماء كانوا متصلين بالقنصليات الأجنبية لتلقي هذا الدعم"١.