للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأما الإيمان بعالم الشهادة فيتمثل بالإيمان بحقيقة الإنسان والكون وسائر المخلوقات الحية. وهذا الإيمان بشقيه يتلاءم مع فطرة الإنسان، التي تريد أن تركن إلى قوة عظيمة مغيبة غير مرئية تستمد منها العون وتجد في صلتها بها الأمن والطمأنينة، قوة أعظم من أن يحيط بها الإدراك الحسي، ولكن آثارها من قدرة وإبداع وخلق تدل على وجودها وهيمنتها وصفاتها العظمى.

ويقول الأستاذ سيد قطب: "إن العقيدة التي لا غيب فيها ولا مجهول ولا حقيقة أكبر من الإدراك البشري المحدود، ليست عقيدة، ولا تجد فيها النفس ما يلبي فطرتها وأشواقها الخفية إلى المجهول المستتر وراء الحجب المسدلة كما أن العقيدة التي لا شيء فيها إلا المعميات التي لا تدركها العقول ليست عقيدة، فالكينونة البشرية تحتوي على عنصر الوعي، والفكر الإنساني لا بد أن يتلقى شيئا مفهوما له، له فيه عمل، يملك أن يتدبره ويطبقه، والعقيدة الشاملة هي التي تلبي هذا الجانب وذاك وتتوازن بها الفطرة، وهي: تجد في العقيدة كِفاء ما هو مودع فيها من طاقات وأشواق١.

والثقافة الإسلامية بهذه الصفة توازن بين عبودية الإنسان لله الواحد تبارك وتعالى، وبين مقام الإنسان الكريم في الكون.

فهناك فصل تام بين حقيقة الألوهية والربوبية وما تقتضيه من صفات وأسماء وبين حقيقة العبودية. قال الله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} ٢, وقال: {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} ٣.

والإنسان حينما يحقق مرتبة العبودية لله وحده يكون قد وصل إلى مقام كريم نبيل، لأن الله تبارك خاطب نبيه بالعبودية ووصفه بأنه عبد الله في مقامين من أجل المقامات: أولهما حينما أسري به إلى المسجد الأقصى وعرج به إلى السماء قال الله تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ


١ خصائص التصور الإسلامي ص ١٣٤.
٢ الشورى: ١١.
٣ الحديد: ٣.

<<  <   >  >>