واتهامها بشتى الاتهامات الشنيعة كيلا يفكر المسلمون بإعادتها مرة ثانية، وألصقوا بها تهمة الخلف والرجعية والتعارض مع النهضة والتقدم والرقي، واتهموا الخلافة العثمانية بالرجل المريض الضعيف الذي يجب بتره والتخلص منه وألا يبقى وصمة تخلف في جبين البشرية، ودبروا المؤامرات الخبيثة للقضاء على الخلافة، وصدرت المؤلفات الضخمة لتطرح مائة مشروع لتقسم الممتلكات العثمانية بين الدول الأوروبية على أن يكون للصهيونية نصيب منها، وخدعت بعض الأشخاص من الأتراك والعرب وغررت بها وضللتهم بادعاءاتها الباطلة وأمسكتهم معاول فاتكة حادة قوية لهدم الكيان الإسلامي ولتمزيق وحدته وتفتيت قوته، فنادوا كالببغاوات بالقومية ودعوا إلى تتريك اللغة وأجهزة الحكم والإدارة، والمكاتبات الرسمية، وكان ما كان من مأساة القومية لسلخ تركيا عن الوطن الإسلامي.. وعلى الطرف الآخر.. العربي.. ظهرت دعوة قومية، تسير في الاتجاه السابق نفسه.
الضربة الثانية: استطاعت أن تمزق كيان الأمة الإسلامية إلى أجزاء متعددة وأن تجعل من الدولة القوية دويلات ضعيفة، ومن البلد الواحد المتعاضد بلدان متباعدة متعادية.. كل هذا بقصد أن تبسط الدول الأوروبية الاستعمارية سلطانها على هذه الأجزاء، وفعلا أخضعتها إلى سلطتها الأوروبية، لتستغل خيرات تربتها وأرضها، ولتستخدم طاقاتها البشرية لتحقيق أطماعها العدوانية والاقتصادية، ولتبني مجدها على أكتاف أناس عاملين بصمت، مأخوذين بشدة الضربات المتتالية.. فسوريا ولبنان خضعتا لنفوذ فرنسا، ومصر والسودان والعراق والأردن خضعت لأطماع انجلترا، والشمال الإفريقي خضع لسيطرة فرنسا، والهند لسلطان انجلترا، وبذل الاستعمار ما بذل لإبعاد الوسط الإفريقي عن التأثر بالدين الإسلامي.
الضربة الثالثة: تمكنت من بذر بذور الاختلاف والشقاق والتناصر والتصارع بين تلك الدويلات الإسلامية، فلكل دولة اتجاهها السياسي المختلف عن اتجاه الدولة الأخرى، ولكل منها أهدافها الخاصة، فتلك تعمل لحساب الشيوعية الماركسية، تنفق لها وتدعوا لمبادئها، وتحمل شعارها، وتدور في فلكها حيث دارت يمنة أو يسرة، وأخرى تعمل وفق سياسة غربية استعمارية لا تستيطع حراكا، ولا تنفذ خطة إلا بإذن من سيدتها وبإشارة منها.