الكثيرين - من معاصريه ومن بعدهم من الذين تسميهم الكنيسة بالهراقطة - يقولون ببشريته، وحُقّ لهم ذلك، إذ لم يقل المسيح عن نفسه أنه إله، ولم يعتقد ذلك أحد من تلاميذه زمن كرازته.
ونتساءل هل كان إخفاؤه لحقيقته خوفاً من اليهود؟ كيف وهو الرب الذي نزل ليصلب كما زعموا؟
والحق أن المتتبع لآخر أحاديث المسيح لا يجد أي مفارقة بين أقوال المسيح أول بعثته وبين أقواله قبل وبعد حادثة الصلب المزعوم، كما لا يجد في أحوال التلاميذ ما يدل على أنهم اكتشفوا ما لم يدروه من قبل، فلوقا يذكر أن المسيح على الصليب قال:"يا أبتاه اغفر لهم لأنهم لا يعلمون"(لوقا ٢٣/ ٣٤)، وكان ينبغي أن يجهر بألوهيته فيقول: سأغفر لكم. لكنه بشر يعجز عن ذلك، فطلب من الله أن يغفر لهم.
وأيضاً قال للص المصلوب:"تكون معي في الفردوس"(لوقا ٢٣/ ٤٣)، ولو كان إلهاً لقال: أنعمت عليك بالفردوس.
وها هو المسيح بعد القيامة المزعومة يقول:"إني ذاهب إلى أبي وأبيكم وإلهي وإلهكم"(يوحنا ٢٠/ ١٧).
وها هم تلاميذه بعد قيامته يعتبروه إنساناً فقط، فيقول اثنان منهم:"الناصري الذي كان إنساناً نبياً مقتدراً في الفعل والقول أمام الله وأمام الناس"(لوقا ٢٤/ ١٩).
وكذلك قال عنه بطرس بعد رفعه وهو ممتلئ من الروح القدس:"يسوع الناصري رجل قد تبرهن لكم من الله بقوات وعجائب"(أعمال ٢/ ٢٢).
وقال في مرة أخرى:"يسوع الذي من الناصرة كيف مسحه الله بالروح القدس والقوة ... "(أعمال ١٠/ ٣٨).