وعليه فلا يمكن النصارى أن يجعلوا من النصوص المتحدثة عن بنوة المسيح لله أدلة على ألوهيته ثم يمنعوا إطلاق حقيقة ذات اللفظ على آدم وسليمان وغيرهما، وتخصيصهم المسيح بالمعنى الحقيقي يحتاج إلى مرجح لا يملكونه ولا يقدرون عليه.
وحين أراد اليهود اختلاق تهمة وتلفيقها للمسيح قالوا بأنه قد جدف (١) لأنه يزعم أنه ابن الله على الحقيقة لا المجاز، فبكتهم المسيح، ورد عليهم مثبتاً مجازية هذه البنوة، كما هو لسان المقال دائماً في الكتاب، فهو يجعل كل اليهود أبناء الله مجازاً، فقال - عليه السلام -: " إن قال: آلهةً لأولئك الذين صارت إليهم كلمة الله .. فالذي قدسه الآب وأرسله إلى العالم، أتقولون له: إنك تجدف، لأني قلت: إني ابن الله؟ إن كنت لست أعمل أعمال أبي فلا تؤمنوا بي .. "(يوحنا١٠/ ٣٧)، أي كما وصفكم كتابكم بأنكم آلهة مجازاً؛ فأنا كذلك ابن الله مجازاً، سواء بسواء.
[معنى البنوة الصحيح]
والمعنى المقصود للبنوة في كل ما قيل عن المسيح - عليه السلام - وغيره إنما هو معنى مجازي بمعنى: حبيب الله، أو مطيع الله، أو المؤمن بالله.
لذلك قال مرقس وهو يحكي عبارة قائد المائة الذي شاهد المصلوب وهو يموت فقال:"حقاً كان هذا الإنسان ابن الله"(مرقس ١٥/ ٣٩).
ولما حكى لوقا القصة نفسها أبدل العبارة بمرادفها فقال:"بالحقيقة كان هذا الإنسان بارّاً"(لوقا ٢٣/ ٤٧).
(١) لقد حرص اليهود على التخلص من المسيح لأسباب من أهمها حسدهم له، وهو ما عبروا عنه حين قالوا: "هوذا العالم قد ذهب وراءه" (يوحنا ١٢/ ١٩)، ولقد أدرك بيلاطس ذلك، فـ "عرف أن رؤساء الكهنة كانوا قد أسلموه حسداً" (مرقس ١٥/ ١٠)، وما محاولات قتله والحكم عليه بذريعة التجديف إلا ستار خبيث لسوء خبيئتهم، وتهم جوفاء ملفقة تخفي سوء طويتهم.