إن من الطبيعي والمتوقع ونحن نتحدث عن أهم عقائد النصرانية، أي التثليث أن نجد ما يؤصله في عشرات النصوص الواردة على لسان الأنبياء ثم المسيح ثم تلاميذه من بعده.
لكن التصفح الدقيق لما بين دفتي الكتاب المقدس يكشف لنا غياب الدليل الصريح الذي نبحث عنه، في العهد القديم، وأيضاً في الجديد، ولم العجلة في إصدار الأحكام، هلم نتأمل ما جاء في الكتاب المقدس من تأصيل لهذا المعتقد الهام.
أولاً: النصوص التوراتية وعقيدة التثليث
لم يرد في العهد القديم نص واحد يتحدث عن الثالوث الذي يشكل جوهراً واحداً، بل نستطيع القول بأن (الابن والروح القدس) اسمان لم يردا أبداً في العهد القديم؛ فضلاً عن الحديث عن الثالوث الجامع الذي تنادي به الكنيسة، فكيف يمكن الإيمان بعقيدة لم يعرفها الأنبياء خلال ١٥٠٠ سنة من الوحي الإلهي؟.
هذه الحقيقة المذهلة لن تمنع الغريق من التعلق بقشة، فقد تعلق النصارى ببعض النصوص التوراتية، وزعموا أنها إشارات ورموز إلهية إلى التثليث، منها استخدام بعض النصوص التوراتية صيغة الجمع العبري (ألوهيم) عند الحديث عن الله كما في مقدمة سفر التكوين "في البدء خلق الله السماء والأرض"(التكوين ١/ ١)، وفي النص العبري "إلوهيم" أي: (الآلهة)، ومثله في استخدام ما يدل على الجمع في أفعال منسوبة لله، كقول التوراة أن الله قال:"هلم ننزل ونبلبل"(التكوين ١١/ ٧).
ومن الإشارات التوراتية أيضاً لتثليث الأقانيم قول الملائكة:"قدوس، قدوس، قدوس، رب الجنود"(إشعيا٦/ ٣)، فقد كرر ذكر كلمة (قدوس) ثلاث مرات، ومثله قالت الحيوانات التي رآها يوحنا في رؤياه:"قدوس، قدوس، قدوس، الرب الإله القادر على كل شيء"(الرؤيا ٤/ ٨)، فزعموا أنها تعني:(قدوس الآب، قدوس الابن، قدوس الروح القدس).
[نقد الاستدلال بالنصوص التوراتية]
بداية يعترف النصارى بأن ليس في هذه النصوص ما نستطيع أن نعتبره دليلاً