للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[القول بتدرج إعلان ألوهيته]

ولما عدِم النصارى الدليل على ألوهية المسيح، ورأوا أن أحداً من معاصريه لم يدرك تلك الألوهية التي يتحدثون عنها صدر بعضهم بقول جديد، مفاده أن المسيح لم يعلن ألوهيته لتلاميذه في بدء دعوته، بل تدرج بهم حتى كشف لهم عنها بعد قيامته، أي لم يدركوا هذا السر إلا بعد موته.

ومن القائلين بهذا الرأي بتر سمث في كتابه الشهير "سيرة المسيح الشعبية"، فيقول عن مريم وموقفها من ابنها: "هل حسبته إلهاً ابن الآب الأزلي ... إن رواية الإنجيل تجعل هذه الفكرة محالة، كما أن العقل لا يسلم بها، وإلا كيف استطاعت أن تؤنبه على توانيه في الهيكل مع أحبار وعلماء اليهود؟ وكيف عالجت شؤونه كلها كطفلها الخاضع لها ...

كلا إن العذراء لم تفكر في ولدها كإله ... لم تدرك سر ألوهيته الهائل الذي لم تفطن إليه ولم تعرفه إلا مؤخراً، وحتى التلاميذ أنفسهم لم يدركوا هذا السر الهائل إلا قبيل نهاية حياته ... لكنهم لم يفطنوا إليه ويدركوه تماماً إلا بعد موته وقيامته وصعوده بمجد وإرساله الروح القدس.

عندئذ أخذوا يرجعون بذكرياتهم إلى الوراء خلال ثلاث سنوات تقضت في صحبته، ويتعجبون كيف أمسكت عيونهم عن معرفة ما عرفوه الآن".

إذاً كانت ألوهية المسيح استنتاجاً عقلياً توصل إليه التلاميذ بعد رفع المسيح، وكل ما ينقل من أدلة كتابية على ألوهيته لم تكن كافية ليصلوا إلى هذا المعتقد أو يدينوا به.

وهذه الدعوى من النصارى تثور في وجهها تساؤلات عدة منها: لمَ أخفى المسيح هذه الحقيقة عن تلاميذه؟ ولم َلم ْيعلنها منذ اليوم الأول؟ إن إخفاءه المزعوم لها جعل

<<  <   >  >>