للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فلا يصلح في الدلالة في شيء. فلو اطرد الاستدلال على هذه الكيفية فلسوف نرى تربيعاً وتخميساً وغير ذلك من التعداد للآلهة، فلئن وردت كلمة (قدوس) مثلثة مرتين في الكتاب المقدس، فإنها وردت مفردة نحو أربعين مرة، وإنما يراد من التكرار التأكيد فحسب، كما في نصوص إنجيلية وتوراتية كثيرة (١)، منها قول اليهود: "فصرخوا قائلين: اصلبه، اصلبه" (لوقا ٢٣/ ٢١).

ونحوه في سؤال المسيح لبطرس، فقد كرره ثلاث مرات " فبعدما تغدوا قال يسوع لسمعان بطرس: يا سمعان بن يونا أتحبني أكثر من هؤلاء؟ قال له: نعم يا رب، أنت تعلم أني أحبك ... قال له أيضاً ثانية: يا سمعان بن يونا أتحبني؟ ... قال له ثالثة: يا سمعان بن يونا أتحبني؟ فحزن بطرس لأنه قال له ثالثة: أتحبني" (يوحنا ٢١/ ١٥ - ١٧).

وهكذا تبين للقارئ الباحث عن الحق بطلان الاستدلال بالتوراة على عقيدة التثليث.

ثانياً: النصوص الإنجيلية وعقيدة التثليث

ويعتقد النصارى أن القول بالتثليث "حق سماوي أعلنه لنا الكتاب في العهد القديم بصورة غير واضحة المعالم، لكنه قدمه في العهد الجديد واضحاً" (٢)، فهم يعتقدون أن ثمة أدلة في أسفار العهد الجديد أصرح وأوضح في دلالتها على التثليث من تلك التي وردت ملغزة في التوراة، منها أنه " لما اعتمد يسوع صعد للوقت من الماء، وإذا السماوات قد انفتحت له، فرأى روح الله نازلاً مثل حمامة، وآتياً عليه، وصوت من السماء قائلاً: هذا هو ابني الحبيب والروح الذي سررت به" (متى ٣/ ١٦ - ١٧)، فقد جمع النص الآب والابن الحبيب والروح النازل مثل الحمامة في سياق واحد.

ومثله قول بولس: "بنعمة ربنا يسوع المسيح، ومحبة الله، وشركة الروح القدس مع جميعكم. آمين" (كورنثوس (٢) ١٣/ ١٤).

لقد أرست التوراة والإنجيل رفض الشرك والتنديد به، واعتباره من أعظم الآثام، فهل تختلف الوحدة الجامعة للتثليث عن صور الشرك الذي حذر منها الكتاب في مواضع لا تحصى لكثرتها؟

إنه حين يسمع المؤمنون في الكنيسة أسماء (الآب، الابن، الروح القدس) ينقدح في ذهن كل منهم تصور ذهني لثلاث هيئات مختلفة، ولن تخطئه عيوننا حين نرى الصور المسيحية التي تصور لنا المسيح على هيئة شاب وسيم بشعر ناعم طويل، وتصور لنا الآب على هيئة رجل عجوز بلحية بيضاء وشعر أبيض، وأما الروح القدس فتصوره على شكل حمامة بيضاء، فيجزم كل منا أن الأقانيم ثلاثة أشخاص متمايزون في كل شيء.

والمتأمل في نص متى في قصة عماد المسيح (انظر متى ٣/ ١٦ - ١٧) يستطيع رؤية ثلاث ذوات تمايزت بالأسماء والأعمال والمكان، فلكل منها


(١) انظر: (إرمياء ٧/ ٤، ٢٢/ ٢٩)، و (حزقيال ٢١/ ٢٧).
(٢) قاموس الكتاب المقدس، ص (٢٣٢).

<<  <   >  >>