للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الواحد: نحن، ورأينا، وأمرنا، ومقصده نفسه، ولا يفهم منه مستمع أنه يتحدث عن ذاته وأقانيمه الأخرى.

واستخدام صيغة الجمع للتعظيم لا العدد معروف عند اليهود، ويسمونه (رِيبُويْ هَكَبود)، أي جمع التعظيم أو الشرف، ويستعملونه في لغتهم؛ وبخاصة فيما يتعلق باسم الجلالة (إلوهيم ?????)، يقول البروفيسور الرابي مناحيم كوهين الأستاذ في جامعة بار إيلان في كتابه: (مِكرأوت جدولوت)، ومعناه (القراءات الكبيرة): "لقد فسر (الرابي إبراهام بن عزرا ١٠٨٩ - ١١٦٦) سبب تكلم الله بصيغة الجمع في عدة أماكن في التوراة , وأكثر الرابيين على طول الأجيال تبنوا رأيه , إن رأيهم بأن استعمال كلمة (إلوهيم) بصيغة الجمع هي لسان جمع لجلالة الملك, كما هي العادة في خطاب الملوك وأرباب المناصب. وببساطة إلوهيم يتكلم عن نفسه بلسان الجمع حتى يُفخم نفسه".

ويقول الرابي اليهودي توفيا سينجر في موقعه على شبكة الإنترنت ( Outreach Judaism) : " من الخطأ الفادح للمبشرين أن يترجموا اسم (إلوهيم ?????) على أنه يمثل نوعاً من المجموع بالنسبة للربوبية، وإلا فكيف يمكن للمبشرين أن يفسروا لنا الكلمة المقابلة لإلوهيم الواردة في (سفر الخروج ٧: ١) وهي تشير إلى موسى؟ "فقال الرب لموسى انظر. أنا جعلتك إلهاً (إلوهيم) لفرعون".

ويقول الدكتور جرهاردوس فوس: "وأما لقب (إلوهيم ?????) فهو صيغة جمع تدل على الجلال والعظمة والغنى والسمو والكمال" (١).

ويقول القديس توما الأكويني: "قوله: (سماوات السماوات) بالجمع؛ فذلك من خاصية اللغة العبرانية التي جرت فيها العادة أن يعبر عن السماء الواحدة بصيغة الجمع" (٢).

ويقول المطران كرلس سليم بسترس رئيس أساقفة بعلبك: "في العهد القديم استعمل الشعب اليهودي كلمتين للإشارة إلى الله، كلمة (إلوهيم) وهي اسم جمع أو تفخيم لكلمة (إيل) التي استعملتها مختلف الشعوب الساميّة للدلالة على الله" (٣).

ونختم بالأب متى المسكين حيث يقول:(إلوهيم) تأتي بالجمع في تكوينها، ولكن على مدى الكتاب تأتي بالمعنى المفرد لتدلّ على الله الحقيقي الفعّال، ليظهر الجمع أنه جمع المجد والجلال والعظمة، ولا دخل له بتعدد الآلهة على وجه الإطلاق" (٤).

وصيغة جمع التعظيم معروفة أيضاً في الكتاب المقدس، ولها صور عديدة، منها قصة المرأة العرافة التي رأت روح صموئيل بعد وفاته، فعبرت عنه باستخدام صيغة الجمع، تقول التوراة: "فلما رأت المرأة صموئيل صرخت بصوت عظيم .. فقالت المرأة لشاول: رأيت آلهة (?????) يصعدون من الأرض، فقال لها: ما هي صورته؟ فقالت: رجل شيخ صاعد، وهو مغطي بجبّة. فعلم شاول أنه صموئيل" (صموئيل (١) ٢٨/ ١٢ - ١٤)، فقد كانت تتحدث عن صموئيل، لقد رأته على هيئة رجل شيخ، وتستخدم مع ذلك صيغة الجمع (آلهة ?????)، فالجمع لا يفيد العدد بالضرورة، بل هو جمع التعظيم.

وعندما عبد بنو إسرائيل العجل، وهو واحد سمته التوراة آلهة مستخدمة صيغة الجمع في ثلاثة مواضع، تقول: "فأخذ ذلك من أيديهم وصوّره بالإزميل، وصنعه عجلاً مسبوكاً، فقالوا: هذه آلهتك يا إسرائيل التي أصعدتك من أرض مصر ... صنعوا لهم عجلاً مسبوكاً، وسجدوا له، وذبحوا له، وقالوا: هذه آلهتك يا إسرائيل التي أصعدتك من أرض مصر" (الخروج ٣٢/ ٤ - ٨).

ويمضي السفر ليؤكد ثالثة أصالة استعمال الجمع الذي يراد منه الواحد، فيقول: "رجع موسى إلى الرب، وقال: آه قد أخطأ هذا الشعب خطية عظيمة، وصنعوا لأنفسهم آلهة من ذهب" (الخروج ٣٢/ ٣١).

ومثله تجد هذا الاستخدام شائعاً في لغة العرب، كما في قول الله: {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون} (الحِجر: ٩)، فالمقصود هو الله الواحد العظيم.

وأما التكرار ثلاث مرات في قول الملائكة أو حيوانات رؤيا يوحنا وأمثال ذلك،


(١) علم اللاهوت الكتابي، جرهاردوس فوس ص (١٠٩)، وانظر دائرة المعارف الكتابية (١/ ٣٧٩).
(٢) الخلاصة اللاهوتية (٢/ ٢٠٨).
(٣) اللاهوت المسيحي والانسان المعاصر، المطران كرلس سليم بسترس (١/ ٣٧ - ٣٨).
(٤) النبوة والأنبياء في العهدالقديم، الأب متى المسكين، ص (٥٠).

<<  <   >  >>