وقد يشكل على البعض في قوله:"أجاب توما وقال له: ربي وإلهي"(يوحنا ٢٠/ ٢٨)، فيرى أن هذه الصيغة لم ترد في باب الاستغراب، بل في باب الخطاب المباشر للمسيح بلقب الألوهية، بدليل قول يوحنا:"وقال له".
والحق أن لفظة (له) لم توردها معظم تراجم النص العربية، ولو فرضنا أصالتها فإنما تعني (قال لأجله أو لأجل ما رأى منه)، ولها مثيل في الكتاب في سفر صموئيل، حيث دعا النبي يوناثان الله من أجل داود، بينما يفهم من ظاهر السياق أن الحديث موجه إلى داود، وهو في الحقيقة دعاء لله من أجل داود، يقول سفر صموئيل:"وقال يوناثان لداود: يا ربُ إله إسرائيل، متى اختبرت أبي مثل الآن غداً أو بعد غد؛ فإن كان خير لداود ولم أُرسل حينئذ فأخبره"(صموئيل (١) ٢٠/ ١٢)، فهو نداء لله، والسياق يقول:"وقال يوناثان لداود "، أي لأجله.
ومما يؤكد أن قول توما للمسيح:«ربي وإلهي» كان في سياق التعجب؛ لا نسبة المسيح إلى مقام الألوهية؛ أن المسيح أخبر في نفس السياق بأنه سيصعد إلى إلهه. (انظر يوحنا ٢٠/ ١٧)، وعليه فمن العجب أن نقول بأن توما ينادي الإله (المسيح) الذي له إله آخر (سيصعد إليه)، فهذا الآخر إله الإله؛ إلا أن يكون معنى ألوهية المسيح عند توما معنى مجازي غير حقيقي.
ثم لو فهم المسيح من كلام توما أنه أراد ألوهيته على الحقيقة لما سكت عليه الصلاة والسلام عن مثل هذا الكفر والتجديف، فقد رفض عليه السلام أن يدعى صالحاً، لما ناداه بعض تلاميذه:"أيها المعلم الصالح ... فقال له: لماذا تدعوني صالحاً؟ ليس أحد صالحاً إلا واحد، وهو الله "(متى ١٩/ ١٧)، فمن رفض دعاءه بـ"المعلم الصالح" كيف نتصور أن يقبل دعاءه "ربي وإلهي" على سبيل الحقيقة!؟
قول داود:"قال الرب لربي"
وأما الاستدلال بقول داود في المزامير "قال الرب لربي: اجلس عن يميني حتى أضع أعداءك موطئاً لقدميك"(المزمور ١١٠/ ١)، فهو خروج بالنص عن معناه، لأن قول داود لا يراد به المسيح بحال من الأحوال، بل المراد منه المسيح المنتظر، الذي وعد به بنو إسرائيل، وهو نبينا - صلى الله عليه وسلم -.
وقد أخطأ بطرس - والنصارى من بعده - حين فهم أن النص يراد به المسيح، فقال:"لأن داود لم يصعد إلى السموات. وهو نفسه يقول: قال الرب لربي: اجلس عن يميني حتى أضع أعداءك موطئاً لقدميك. فليعلم يقيناً جميع بيت إسرائيل أن الله جعل يسوع هذا الذي صلبتموه أنتم رباً ومسيحاً"(أعمال ٢/ ٣٤ - ٣٧).
ودليل الخطأ في فهم بطرس وفهم النصارى من بعده، أن عيسى عليه السلام أنكر أن يكون هو