للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عن معية المسيح للتلاميذ ومن بعدهم من المسيحيين، وأنها معية دائمة إلى الأبد، فقد قال وهو يصعد إلى السماء: "وها أنا معكم كل الأيام إلى انقضاء الدهر" (متى ٢٨/ ٢٠)، وقال: "حيثما اجتمع اثنان أو ثلاثة باسمي، فهناك أكون في وسطهم" (متى ١٨/ ٢٠)، ففهم منه الواهمون حضوراً ومعية حقيقيين، واعتبروا هذه المعية دليلاً على الألوهية، فالمسيح موجود في كل زمان ومكان، كما الله موجود في كل زمان ومكان (١).

وهنا نلحظ خطأين متراكبين: أولهما: في فهم معية الله لخلقه على الحقيقة، والثاني: في فهم معية المسيح.

فالكتاب المقدس لم يتحدث عن معية حقيقية لله أو للمسيح، فالله تعالى لا يحل في مخلوقاته، ولا يخالطهم، ومعيته لخلقه - تبارك وتعالى - أمر مجازي، معية النصر والتأييد والهداية، ومعية المسيح للتلاميذ هي كذلك معية إرشاد ومعية تعاليم، وقد قال الأنبا غريغوريوس في موسوعته تعليقاً على خاتمة إنجيل متى: "وهذه المعية ليست معية ظاهرة مادية، بل معنوية، بمعنى أنه أعطاهم المواهب والقدرات" (٢).

وهذا النوع من المعية المجازية لا تكاد تحصى نصوصها - في الكتاب - لكثرتها، ومنها قول يحزيئيل بن زكريا مثبتاً اليهود في حربهم " قفوا اثبتوا، وانظروا خلاص الرب معكم، يا يهوذا وأورشليم لا تخافوا ولا ترتاعوا، غداً اخرجوا للقائهم، والرب معكم" (الأيام (٢) ٢٠/ ١٧)، ومثله قول موسى: "لأن الرب إلهكم سائر معكم، لكي


(١) ينزه الإسلام الله تبارك وتعالى عن الحلول في مخلوقاته، فالله بذاته بائن من خلقه، ولكن علمه وقدرته وسمعه أحاط بكل شيء، فلا يعزب عنه شيء في الأرض ولا في السماء، وهو غير محتاج في ذلك إلى التواجد بذاته العلية بين مخلوقاته.
(٢) موسوعة الأنبا غريغوريوس (اللاهوت المقارن)، ص (٢٤٤).

<<  <   >  >>