فيما رفض بطرس سجود كرنيليوس له، وقال له: "قم أنا أيضاً إنسان" (أعمال ١٠/ ٢٥)، فقد اعتبر السجود نوعاً من العبادة لا ينبغي إلا لله، وعليه يرى النصارى في رضا المسيح بالسجود له دليلاً على أنه كان إلهاً.
ولا ريب أن السجود مظهر من مظاهر العبادة، لكن ذلك لا يعني بالضرورة أن كل سجود عبادة، فمن السجود ما هو للتبجيل والتعظيم فحسب، فقد سجد إبراهيم إكراماً لبني حث "فقام إبراهيم وسجد لشعب الأرض لبني حثّ" (التكوين ٢٣/ ٧).
كما سجد يعقوب - عليه السلام - وأزواجه وبنيه لعيسو بن إسحاق حين لقائه " وأما هو فاجتاز قدامهم، وسجد إلى الأرض سبع مرات، حتى اقترب إلى أخيه .. فاقتربت الجاريتان هما وأولادهما وسجدتا، ثم اقتربت ليئة أيضاً وأولادها وسجدوا، وبعد ذلك اقترب يوسف وراحيل، وسجدا " (التكوين ٣٣/ ٣ - ٧).
كما سجد موسى - عليه السلام - لحماه (والد زوجته) حين جاء من مديان لزيارته "فخرج موسى لاستقبال حميه، وسجد، وقبّله" (الخروج ١٨/ ٧)، وسجد إخوة يوسف - عليه السلام - تبجيلاً؛ لا عبادة لأخيهم يوسف "أتى إخوة يوسف، وسجدوا له بوجوههم إلى الأرض" (التكوين ٤٢/ ٦)، واستمرت هذه العادة عند بني إسرائيل " وبعد موت يهوياداع جاء رؤساء يهوذا، وسجدوا للملك " (الأيام (٢) ٢٤/ ٧).
وكل هذه الصور وغيرها كثير لا تفيد أكثر من الاحترام، وعليه يحمل سجود من سجد للمسيح - عليه السلام -.
وأما رفض بولس وبطرس لسجود الوثنيين لهما، فكان بسبب أن مثل هؤلاء يكون سجودهم من باب العبادة، لا التعظيم، خاصة أنهم يرون معجزات التلاميذ، فقد يظنونهم آلهة لما يرونه من أعاجيبهم.