للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهذا المعنى للخلق جدُّ غريب لم تنطق به أنبياء العهد القديم، ولا ذكره المسيح عليه السلام، إنما ورد من كلام بولس ومقدمة يوحنا الفلسفية المستمدة من الفكر الأفلوطيني والفلسفات الغنوصية التي تعتقد أن الله أشرف من يخلق الخلق بنفسه، لذا ينيط هذا الفعل بمخلوق أول؛ بكر الخلائق، ويسمونه العقل الكلي أو الملائكة.

ولا يمكن أن يكون المسيح - عليه السلام - خالقاً للسماوات والأرض وما بينهما، إذ هو ذاته مخلوق، وإن زعمت النصارى أنه أول المخلوقين، لكنه على كل حال مخلوق، والمخلوق غير الخالق، إنه فحسب " صورة الله غير المنظور، بكر كل خليقة" (كولوسي ١/ ١٥).

ثم إن الذي عجز عن رد الحياة لنفسه عندما مات لهو أعجز من أن يكون خالقاً للسماوات والأرض، أو أن تخلق به "فيسوع هذا أقامه الله" (أعمال ٢/ ٣٢)، ولو لم يقمه الله لما عاد من الموتى، وفي موضع آخر: "ورئيس الحياة قتلتموه الذي أقامه الله من الأموات " (أعمال ٣/ ١٥)، ومثله قول بولس: "والله الآب الذي أقامه من الأموات" (غلاطية ١/ ١).

ويرى المحقق في هذه النصوص أن المقصود منها أن المسيح خُلقت به الخلائق خِلقة الهداية والإرشاد، لا الإيجاد والتكوين، فخلقة الإيجاد والتكوين الله فحسب، والخلقة التي خلقها الله بالمسيح عليه السلام هي الخِلقة الجديدة، خِلقة الهداية، التي تحدث عنها داود، وهو يدعو الله: "قلباً نقياً اخلق فيّ يا الله، وروحاً مستقيماً جدد في داخلي" (المزمور ٥١/ ١٠).

ومثله قال بولس عن المؤمنين بالمسيح: "إن كان أحد في المسيح فهو خليقة جديدة" (كورنثوس (٢) ٥/ ١٧)، وقال: "لأنه في المسيح ليس الختان ينفع شيئاً ولا الغُرلة، بل الخليقة الجديدة" (غلاطية ٦/ ١٥).

<<  <   >  >>