[المطلب الرابع في بيان أن الله تعالى متفرد بالقدم]
ذهبت الكاملية والعجلية والرزامية والقرامطة والنزارية إلى أنه تعالى غير متفرد بالقدم، فإن العالم أيضا قديم عندهم. وهو باطل.
والحق ما ذهب إليه أهل السنة وجماهير الفرق الإسلامية والمليون وغيرهم من العقلاء من أن القديم ذات واحدة والعالم حادث، للنصوص كقوله تعالى:{إن ربكم الله الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام}، {أوليس الذي خلق السموات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم بلى وهو الخلاق العليم}، {والأرض بعد ذلك دحاها * أخرج منها ماءها ومرعاها}، {قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين} إلى غير ذلك من الآيات. ولأن العالم ممكن، لأنه إما مركب من الهيولى والصورة كما هو مذهب الفلاسفة، أو من الجواهر الفردة كما هو رأي المتكلمين، وواجب الوجود ليس بمركب، فالعالم ليس بواجب الوجود، فهو ممكن الوجود، وكل ممكن محدث، لأن الممكن الموجود لا بد له من مؤثر وإلا لزم الترجيح من غير مرجح، فالمؤثر في العالم إما أن يكون موجبا بالذات فيلزم قدم الحادث اليومي أو التسلسل، لأن علته إن كانت قديمة لزم قدمه، وإن كانت محدثة لزم التسلسل، وإما أن يكون مختارا وجميع آثار المختار حادثة، لأن المختار إنما يفعل بالقصد إلى الفعل، وهو لا يتوجه إلى شيء حاصل، وإنما يتوجه نحو أمر معدوم، وإلا لزم تحصيل الحاصل.
واحتج من قال بقدم العالم بأن العلة التامة المستجمعة لشروط التأثير إن كانت قديمة لزم قدم العالم، وإن كانت حادثة افتقرت إلى علة أخرى، وتلك العلة الأخرى إما قديمة فيلزم قدم الحادث، ومحدثة فيلزم ما لزم وهكذا، فإما أن يدور أو يتسلسل.
والجواب أن الباري -عز اسمه- قادر مختار، ولا يلزم من وجود القادر المختار وجود أثره معه،