ذهبت الرزامية والكاملية والمنصورية والحميرية والباطنية والقرمطية والجنابية والخطابية والميمونية والمقنعية والخليفية والجبائية والمعمورية إلى أنه لا معاد للأبدان مطلقا ولا للأرواح في غير هذا العالم، بل قالوا بتناسخ الأرواح وانتقالها من بدن إلى آخر. واستدلوا على ذلك بأنه لو وجد عالم آخر لكان كريّا مثل هذا العالم، ولا يمكن وجود كرتين متماثلتين إلا بتحقق فاصل بينهما، فيلزم الخلاء بين العالمين وهو محال.
والجواب أن الخلاء إنما يلزم لو كانت إحدى الكرتين فوق الأخرى أو تحتها أو بأحد جانبيها وليس كذلك، إذ يجود أن يكون منهما مركوزا في ثخن كرة عظيمة يساوي ثخنها قطرها أو يزيد عليها، كما أن التدوير في ثخن الأفلاك. وهذه العقيدة مخالفة لجميع المليين ولنصوص القرآن. قال تعالى:{وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ} وقال تعالى: {أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ * بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ}. وأخرج البخاري ومسلم عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:"ما بين النفختين أربعون سنة ثم ينزل من السماء ماء فينبتون كما ينبت البقل" وقال: "ليس شيء إلا ويبلى إلا عظما واحدا وهو عجب الذنب ومنه تركب الخلق" إلى غير ذلك مما يطول ذكره.