اعلم أن ابن سبأ لما دعى الناس إلى ما دعاهم إليه من الرفض والضلال، وأجابه من أجابه من الحمقاء، صارت الرافضة فرقتين، وكانت دعاة كل فرقة يدعون الناس إلى مذهبهم. ولما دعى بعض دعاة الفرقة الغلاة إلى مذهبه طائفة من الفرقة السبئية وتبعه منهم من تبعه، وكان فيهم من له أدنى روية وعقلٍ أعرض عنه وشدد عليه النكير، وقال من يأكل ويشرب ويصحّ ويمرض ويجوع ويعرى ويلد ويولد كغيره من الحيوانات أنى يسوغ أن يدعى فيه الألوهية.
فلما أذعن طائفة منهم إلى هذا القول واستشكل عليه الأمر والتبس عليه طريقه، راجع من يعوّل عليه ويقبل قوله لديه، ففكر وقدر ثم قتل كيف قدر، ثم قال له مجيبا: إن الله روح حلّ في علي وهو ليس بإله، وإنما حلّ الإله فيه كما حلّ في عيسى بن مريم واتحد بناسوته. فاستحسنه جماعة من الحمقى وعقدوا قلوبهم عليه. فافترقت فرقة الغلاة إذ ذاك فرقتين: فرقة تقول إن عليا هو الإله، وأخرى تقول بحلول الإله فيه. تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا.
ثم زاد رؤساء كل فرقة ما دعته له أهواؤهم وأوحته إليهم شياطينهم. فكثرت فرقهم وتشعبت طرقهم. ولما استشهد ريحانة الرسول الإمام الحسين رضي الله تعالى عنه، ومضت برهة من الزمان، نهض كيسان مولى السبط الأكبر يدعو الناس إلى إمامة محمد بن علي بن أبي طالب، لأنه بعد أن جاء مولاه بنفسه لازم صحبة أخيه محمد وأخذ عنه